الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82331 مشاهدة
صفات الله ثابتة لله تعالى أثبتها الله وأثبتها له الرسول

صفات ثابتة لله تعالى، أثبتها الله الذي هو أعلم بنفسه، وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم بمرسله قوله:
( موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم. )


شرح:
تتكرر هذه العبارة في كتب العقائد، ويدين بها أهل السنة؛ يقولون: إن الله - تعالى - لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم؛ وإذا قلنا ذلك فإننا نعترف بهذه الصفات التي وصف بها نفسه، ونصِفه بها، ولا نتحاشى، بل نجسر عليها ونتكلم بها حيث إنه أخبر بها عن نفسه، ولو كان في ذلك ما يكون، ولو استنكرها من يستنكرها، ولا عبرة بمن يستوحش عندما تذكر صفات الله تعالى كصفة العلو، وصفة الاستواء، وصفة النزول كما يشاء، وصفة اليد، وصفة الوجه، وصفة الرحمة، وصفة المحبة، وما أشبه ذلك.
فالله - تعالى - قد أثبت هذه الصفات، وكذلك أثبتها نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كانت ثابتة أفلا يثبتها المسلم؟ لا شك أن إثباتها من دين الإسلام؛ وذلك لأن الدليل عليها قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة؛ وهو ما أثبت في القرآن، فهل هناك شيء أصح من القرآن؟! ثم يليه الكتب الصحيحة كالصحيحين وغيرهما من الكتب التي تعتني بالصحيح.
وهذه الكتب مشتملة على صفات ثابتة قطعية الثبوت، ثم هي أيضًا قطعية الدلالة، دلالتها صريحة يعرفها كل عربي فاهم للغة، يعرف ما تدل عليه، فمن الذي يشك في أن العرش سرير الملك؟‍ أثبت الله لنفسه العرش فنثبت أن لله عرشًا، وكذلك من الذي يشك أن العلو هو الارتفاع لغة؟ فنثبت لله العلو، ومن الذي يشك في أن السمع هو إدراك الأصوات، وأن البصر هو إدراك المرئيات؟ معروف أن هذه الصفات لفظها واضح من اللغة.
فإذا سمعنا هذه الصفات تجرأنا على أن نثبتها لله ولا نتحاشى، بل نجسر على إثباتها ولو شنّع علينا من شنع، ولو أنكر علينا من أنكر؛ وما ذاك إلا لأن دلالتها واضحة لا تحتمل خفاء، وليس فيها غموض.
فطريقة أهل السنة أن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه رسوله وجميع الأنبياء في كتبهم المنزلة وفي شرائعهم وسننهم؛ وذلك لأنه تعالى أعلم بنفسه، ورسله أعلم بمن أرسلهم، فإذا وصف نفسه بصفة، وأثبتها لنفسه، فكيف ننفيها، وكيف ننكرها؟ ما الدليل على ذلك، وما السبب في ردها؟.
لا شك أنها إذا كانت قطعية ورددناها، وقلنا: إن العقل ينكرها ويستبعدها؛ كنا قد حكّمنا العقول في شرع الله، وهذا لا شك أنه جرأة على الله تعالى، وتحكيم للعقل الضعيف الذي يعتريه التغير في ذات الرب تعالى الذي أثبت لنفسه كل كمال، ونفى عن نفسه كل نقص.
وبكل حال فمعنى هذه الجملة: أن الله تعالى موصوف بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، وأن كل ما ثبت فإننا نقول به.
وأما ما روي من الأدلة التي لم تثبت فلا نقول به لضعف المتمسك، فإذا كان هناك أحاديث ضعيفة مشتملة على بعض الصفات، فلا تثبت بها الصفات، وإنما تثبت الصفات بالأحاديث الصحيحة، ولو لم تبلغ حد التواتر ما دام أنها متلقاة بالقبول، وثابتة بالأسانيد الصحيحة، فإنا نثبت ما دلت عليه.
فمثلا صفة النزول : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر إلخ الحديث .
ذكر بعض العلماء أنه مروي عن نحو عشرة من الصحابة من طرق بعضها في الصحيحين، فكيف نردها بمجرد العقول؟ إن كثيرًا ممن ينكر الصفات من أشاعرة ونحوهم إذا سمعوا هذا الحديث نفروا منه.
حتى إنه حدثني بعض التلاميذ من الذين اعتقدوا العقيدة الصحيحة أنه تكلم مرة بعد صلاة الجمعة وأخذ يرغب في قيام الليل، وأورد هذا الحديث: ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له فقال: إن هذا فيه حث على قيام الليل، فلما سمع الإمام - وكان أشعريًّا - هذا الحديث هرب وخرج استنكارًا له؛ حيث إنهم يقولون: إنه لا يدل على صفة، وإنه لا يستدل به لكونه ليس بمتواتر، ونحو ذلك.
واصطلح هؤلاء الأشاعرة ونحوهم - الذين سموا علمهم بعلم الكلام - على أن الصفات لا تثبت بالأحاديث إلا إذا كانت متواترة، وأما أحاديث الآحاد فلا تقبل في الصفات، لأنهم اصطلحوا على أن المتواتر يفيد اليقين، وأن الآحاد يفيد الظن، وقالوا: لا يمكن أن تكون صفات الله دلالتها دلالة ظن، فلا نثبتها بالأحاديث التي لم تبلغ درجة التواتر، بل نرد كل حديث في الصفات إذا لم يبلغ حد التواتر.
ونحن إذا نظرنا لم نجد الأحاديث المتواترة إلا قليلة، مثل أحاديث الشفاعة، مع أن المعتزلة ردوا أحاديث الشفاعة، وقد بلغت حد التواتر، فلم يعملوا باصطلاحهم، وأحاديث النزول ردوها لأنها في نظرهم آحاد، وكذلك بقية الصفات مثل حديث العجب، وحديث الضحك، وحديث النداء، وحديث الكلام، وحديث الصوت؛ كلها ردوها، وقالوا: إنها ظنية لأنها آحاد، فلا نقبل إلا ما هو متواتر، سبحان الله! ألستم قبلتموها في الأحكام وفي الأوامر والنواهي، وفي الحلال والحرام؟! فلماذا تقبلونها هنا وتردونها هناك ؟! ألستم في هذا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؟ ألستم كمن يقول: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ( النساء:150 ) .
هذه طريقتهم أما طريقتك - أيها المسلم - فإنك تأخذ كل ما ثبت، وأنك تقبله وتتقبله وتؤمن به إيمانًا كاملا  حتى لا يعتريك في ثبوته شك، وأنها صفات ثابتة لله تعالى، أثبتها الله الذي هو أعلم بنفسه، وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم بمرسله.