إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
79357 مشاهدة
من تعلق شيئا وكل إليه

ذكر بعد ذلك حديث عبد الله بن عكيم وفيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من تعلق شيئا وكل إليه ؛ من تعلق شيئا يعني: سواء كان التعلق تعلق بدن، أو تعلق قلب؛ وكل إلى ذلك الشيء، ومن وكل إلى غير الله تعالى فإنه خاسر، من وكله الله إلى مخلوق فإنه يعتبر خاسرا، هذا معنى وكل إليه أي: وكله الله تعالى إلى ما تعلق قلبه به.
قد يتعلق القلب بشيء ولا يكون هناك تعليق ظاهر، مثاله: أن يقول المشرك للسيد أو للولي صاحب القبر ونحوه: يا سيدنا، قد علقنا عليك آمالنا، قد تعلق عليك رجاؤنا، قد تعلق عليك أملنا، وعملنا، نحن متعلقون عليك لتدفع عنا، ولتحمينا، ولتوصل إلينا الخير، هذا تعلق قلب وإن لم يكن هناك تعاليق في الرقبة، ونحوها؛ فلذلك عمم بقوله: من تعلق شيئا وكل إليه .
الثاني: إذا علق في رقبته شيئا من الأوتار ونحوها، وتعلق قلبه بذلك الوتر، أو بتلك التميمة، أو ما أشبهها؛ فإن الله تعالى يكله إليه، ومن وكله إلى مخلوق فقد ضاع، وكله إلى ضيعة، الإنسان يتعلق قلبه بربه -سبحانه وتعالى- كما جاء في بعض الأدعية يعلق قلبه بالله تعالى ويدعوه وحده، فيقول مثلا: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر دعاء لله تعالى لأنه الذي يصلح حال الإنسان، وكذلك لو دعا بأن يقول: اللهم إنك تعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم رحمتك أرجو؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت لا تكلني إلى نفسي، من وكله الله إلى نفسه، أو وكله إلى مخلوق طرفة عين فإنه وكله إلى ضيعة، فالإنسان يتوكل على الله تعالى ولا يتكل على هذه التمائم، ولا على هذه الأوتار، وما أشبهها.
فسر المؤلف -رحمه الله- هذا الحديث حديث ابن مسعود فيقول: التمائم شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين؛ لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه.
وفي الباب الذي قبل هذا جاء قوله -صلى الله عليه وسلم- من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك وفي هذا الحديث يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك التميمة: هي هذه التعاليق، لماذا سموها تميمة؟ يدعون أن بها تتم الصحة، وهي سبب لتمام النعمة، وهي سبب لتمام الحماية والحفظ، تتم بها حمايتهم من الأضرار، ومن الأمراض، ومن الشياطين، ومن مردة الجن، ومن العين، ومن الحسد، ومن الأمراض كلها، هكذا سموها تميمة؛ أي تفاؤل بالتمام، فجاء الشرع بالأمر بقطعها، وجاء بالنهي عنها.