لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
79378 مشاهدة
أول شرك حدث في بني آدم

قال المؤلف رحمه الله: فصل: في بيان ما وقع فيه العامة اليوم وما يفعلون عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات:
ومـن على القبــر سراجا أوقدا
أو ابتنـى على الضـريح مسجدا
فإنـه مجــــدد جهــــارا
لسـنن اليهـــود والنصـارى
كـم حــذر المختار عن ذا ولعن
فاعلـه كمـا روى أهـل السنن
بـل قــد نهى عن ارتفـاع القبر
وأن يـزاد فيــه فـوق الشـبر
وكل قـبر مشـرف فقــد أمـر
بـأن يسـوى هكـذا صـح الخبر
وحـذر الأمـــة عـن إطرائـه
فغــرهم إبليــس باسـتجرائه
فخـالفوه جهـــرة وارتكبــوا
مـا قد نهــى عنـه ولم يجتنبوا
فانظــر إليهم قد غلــوا وزادوا
ورفعـوا بناءهـــا وشــادوا
بالشـيد والآجـــر والأحجــار
لا سـيما فـي هــذه الأعصـار
وبالقنـــاديل عليهـا أوقـــدوا
وكـم لـــواء فوقهـا قد عقدوا
ونصبـــوا الأعــلام والرايـات
وافتتنــوا بـالأعظــم الرفـات
بل نحـروا في سواحها النحــائر
فعـل أولي التسـييب والبحــائر
والتمسـوا الحاجـات من موتاهـم
واتخــذوا إلههــم هواهـــم
قـد صـادهم إبليس فـي فخاخـه
بـل بعضهم قد صــار من أفراخه
يدعـو إلـى عبـــادة الأوثـان
بالمـــال والنفــس وباللسـان
فليـت شـعري مـن أبـاح ذلـك
وأورط الأمــــة فـي المهـالك
فيـا شـديد الطـول والإنعـــام
إليـك نشـكو محنـة الإســـلام


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تتعلق هذه الأبيات بفتنة القبور، وبعبادة الأموات، وبيان أن ذلك شرك، بل هو أول شرك حدث في العالم كما حكى الله تعالى عن قوم نوح في قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا فإن هذه الأسماء أسماء رجال صالحين في قوم نوح ذكروا أنهم كانوا من الصالحين، ومن العباد والزهاد، ومن العلماء والمعلمين، وكان لهم أصحاب يحبونهم ويقدسونهم ويحترمونهم، ذُكر أنهم ماتوا في وقت متقارب، ولما ماتوا حزن عليهم تلامذتهم؛ حيث فقدوهم، وفقدوا علمهم، وعملهم، ومجالسهم التي كانوا يستفيدون منها، ولما رأى الشيطان منهم ذلك الحزن أوحى إلى تلامذتهم وأحبابهم أن يعكفوا على قبورهم؛ فقصدهم بذلك أن يتذكروهم هذا قبر فلان؛ فيعكفون حوله، ويتعبدون حوله، ويدعون الله، ويصلون في ذلك المكان، وفي تلك البقعة .
ثم قال لهم انحتوا تماثيل على هياكلهم، صوروهم؛ فزين لهم الشيطان؛ فصوروهم، نحتوا لهم صورا إما من حجارة وإما من خشب، ونصبوها إلى المجالس التي كانوا يجلسون فيها التي كانوا يذكرون الله فيها، أو يتعبدون فيها، أو يعلمون فيها تذكرهم هذه صورة فلان إذا رأيناه نشطنا في العبادة، وأحببناها، واقتدينا به فيما كان يتعبد به، فلم يزالوا كذلك وهم يحترمونهم، وربما أنهم إذا دخلوا عليهم سلموا عليهم كأنهم أحياء، فلما مات أولئك الذين صوروهم؛ جاء الشيطان إلى أوليائهم وقال: إن آباءكم وأجدادكم يعرفون لهم مكانتهم، وأنهم مقربون عند الله؛ فتقربوا إليهم وادعوهم، فما زال بهم إلى أن دعوهم من دون الله، وعبدوهم، وفعلوا بهم ما يفعله المشركون المتأخرون من الذبح لهم، والهتاف بأسمائهم، والصلاة عندهم، ودعائهم من دون الله، والطواف بقبورهم، والتمسح بها والتبرك بتربتها، وسموها آلهتهم فقالوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا .
وكأن هذه من جملة الآلهة مما يدل على أن لهم آلهة، ولكن هذه الخمسة هي أكثرها أكثرهم وأشهرها فأكثر ما يتعلقون عليها؛ فسموها آلهة ؛ لأن قلوبهم تألهها وتعظمها وتقدسها خوفا ورجاء وتوكلا ، فاعتبر هذا أول شرك حدث في بني آدم، وكذلك حدث أيضا في الأمم بعدهم، كل أمة لها من يَعبدون من أولئك الأموات، ونحوهم، وهكذا إلى هذه الأزمنة .
سموها آلهة؛ لأن قلوبهم تألهها، وكذلك أيضا كل ما يُعبد ويُؤله من دون الله فإنه يسمى إلها، إلا أن مشركي هذه الأزمنة الذين يتسمون بأنهم من المسلمين ومن أهل هذه الملة المحمدية عملوا أعمال أولئك المشركين، ولكنهم لم يسموها آلهة، بل سموهم سادة وقادة وشفعاء وأولياء ، ولكن العمل واحد عملهم وعمل الأولين متفق في أنهم يدعونهم من دون الله، ويصرفون لهم خالص حق الله، فالشيطان أوقعهم في هذا الشرك وقال لهم لا تسموها آلهة؛ فتناقضوا القرآن، وتناقضوا السنة، سموهم سادة وقادة وأولياء وشفعاء ووسطاء وما أشبه ذلك؛ حتى تسلموا من أن ينكر عليكم .