شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال
قال -رحمه الله تعالى-
باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
حدثنا إسماعيل اسم> قال حدثنا مالك اسم> عن عمرو بن يحيى المازني اسم> عن أبيه عن أبي سعيد الخدري اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياء أو الحياة شك مالك اسم> فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية؟ متن_ح> رسم>.
قال وهيب اسم> حدثنا عمرو اسم> الحياة وقال: خردل من خير.
حدثنا محمد بن عبيد الله اسم> حدثنا إبراهيم بن سعد اسم> عن صالح اسم> عن ابن شهاب اسم> عن أبي أمامة بن سعيد اسم> أنه سمع أبا سعيد الخدري اسم> يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثُّدِي، ومنها ما دون ذلك. وعرض علي عمر بن الخطاب اسم> وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين متن_ح> رسم>.
هذا الباب جعله لتفاضل أهل الإيمان ليرد بذلك على الذين يقولون: إن أهل الإيمان سواء في أصله. عبارة كثير منهم، وأهله في أصله سواء. يعني أن الإيمان الذي هو التصديق لا يتفاوتون فيه؛ بل كلهم سواء.
فعند المرجئة أن إيمان أفسق الناس كإيمان أتقاهم كإيمان أبي بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> والصحابة؛ ولو كان شقيا؛ ولو كان فاسقا، عندهم أن الناس في الإيمان سواء.
ولا شك أن هذا خلاف الأدلة؛ بل الناس يتفاضلون في خصال الإيمان: فمنهم من يكون الإيمان في قلبه أرسى من الجبال؛ بحيث إنه لا يتزعزع ولو فتن ولو أوذي ولو اضطهد ولو ضرب ولو سجن فذلك دليل على قوة الإيمان في قلبه.
ثم يدل على ذلك أيضا كثرة أعماله التي يعملها؛ بحيث إن أعضاءه كلها تعمل بالطاعة، فلسانه ينطق بالخير، وكذلك عينه تنظر إلى ما يزيد إيمانه كقراءة وكتابة، وأذناه تستمع إلى ما يفيده، وكذلك سائر جوارحه، كل ذلك لقوة الإيمان. وهكذا إذا ضعف إيمانه، فإن جوارحه تعمل الأعمال السيئة؛ لضعف الإيمان، فيسمع ما يضره، ويتكلم بما ينقِّص دينه، وينظر إلى ما نهي عنه، وهكذا بقية أعماله، وهكذا بقية جوارحه.
لا شك أن ذلك دليل على تفاوت أهل الإيمان: فمنهم من لا يكون في قلبه من الإيمان إلا شيء يسير، ويعمل سيئات فيدخله الله النار؛ بسبب ضعف إيمانه؛ وبسبب سيئاته، والمعاصي التي ارتكبها، عندما يحشر الناس فيكون هناك أهل ذنوب وأهل معاصٍ وأهل سيئات كثيرة لا تنالهم الرحمة، فيحشرون مع أهل النار، ويبقون فيها ما شاء الله .. ويحترقون، يبقون فيها والعياذ بالله مدة طويلة أو قصيرة، ثم بعد ذلك لما كان عندهم إيمان، وكانوا من أهل التوحيد يكون مآلهم إلى الجنة، فيخرجون منها وقد امتحشوا وقد احترقوا، ويقول الله تعالى للملائكة: رسم> أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله متن_ح> رسم> يعني لم يشرك رسم> وكان في قلبه مثقال دينار من إيمان متن_ح> رسم> هكذا جاء في رواية، فيخرجون ثم يقول: رسم> أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فيخرجون وقد احترقوا، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان متن_ح> رسم>.
الخردل شجر كبير معروف، وحباته صغيرة قريبة من حب الدخن أو أصغر، فيخرجون، يُخرجونهم وقد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة نهر في جانب من جوانب الجنة يجري ويسمى نهر الحياة قد صاروا حمما قد احترقوا وصاروا حمما فينبتون –أي- في ذلك النهر، وتعود إليهم أجسامهم كما تنبت الحِبة في حميل السيل، الحِبة هي ما يحمله السيل من النبات من الحبوب الصغيرة إذا نبتت في حميل السيل إذا ألقاها السيل إلى جوانبه تنبت؛ ولكنها تكون خضراء ملتوية ما يلي الشمس منها أخضر، وما يلي الظل منها أبيض، ينبتون في ذلك.
فالشاهد من هذا الحديث أن الناس يتفاوتون في الإيمان، فمنهم من يكون الإيمان في قلبه راسخا قويا ثابتا كالجبال لا يتزعزع، ومنهم من يكون الإيمان في قلبه دون ذلك، ومنهم من لا يكون في قلبه من الإيمان إلا كحبة خردل، ومع ذلك فإن الله تعالى لا يضيعها، قال تعالى في قصة لقمان اسم> رسم> يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ قرآن> رسم> يعني لو كان حبة خردل وقال تعالى: رسم> وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ قرآن> رسم> يعني لتوزن بها الأعمال يوم القيامة رسم> وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ قرآن> رسم> فدل على أن هناك من إيمانه ضعيف كحبة خردل.
وفي حديث حذيفة اسم> الذي في صحيح مسلم اسم> يقول -صلى الله عليه وسلم- رسم> ينام الرجل فتنزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها كالمجل رسم> يعني في قلبه، المجل هو ما يكون في اليد من النفر الصغير الذي يكون بعد عمله شيئا شاقا. وينام الرجل فتنزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها كالوكت، الوكت هو ما يكون في ظاهر اليد من حبات سوداء من آثار مرض أو نحوه.
فيدل على أنه يبقى للأمانة وللإيمان أثر في القلب أثر قليل؛ وذلك دليل على تفاوت الناس في أعمال القلوب، والتي يكون من آثارها أعمال الجوارح.
في الحديث الثاني فضيلة لعمر بن الخطاب اسم> -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، كان -رضي الله عنه- ممن آمن بمكة اسم> ورسخ الإيمان في قلبه، وكان قويا في ذات الله تعالى، وكان غيورا على الكفار، يبغضهم ويمقتهم، ذكر في هذا الحديث يقول: رسم> عرضت عليَّ الأمة وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثُّديّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب اسم> وعليه قميص يجره. فقالوا: ما أوّلت ذلك؟ فقال: الدين. متن_ح> رسم> في هذا أنه وصفه بهذا الوصف.
وفي حديث آخر، رؤيا أخرى في فضله، يقول: رسم> بينما أنا نائم أتيت بلبن فشربت منه حتى أني لأجد الري في أطرافي ثم أعطيته عمر اسم> قيل: فما أولت ذلك؟ قال: العلم متن_ح> رسم> أعطى فضله عمر اسم> فشرب منه .. فقال: لا إله إلا الله. كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؛ وذلك لأن المشركين الأولين يعرفون معنى لا إله إلا الله إذا قالوها فإنهم يعرفون أنها تستدعي منهم أن يكون إلههم واحدا وهو الله يعرفون قوله تعالى: رسم> وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ قرآن> رسم> رسم> وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ قرآن> رسم> فإذا قالوها فإنهم يطبقونها، فإذا جاء قوم بعدهم لا يعرفون معناها؛ بل يقولونها؛ ولكنهم يشركون فإنها لا تعصمهم؛ لأن قتالهم على الشرك.
مسألة>