شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب السلام من الإسلام
باب: (السلام من الإسلام). وقال عمار اسم> ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار.
حدثنا قتيبة اسم> قال: حدثنا الليث اسم> عن يزيد بن أبي حبيب اسم> عن أبي الخير اسم> عن عبد الله بن عمرو اسم> رسم> أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متن_ح> رسم> .
ذكر هذه الخصال وذكر أنها من الإسلام، وهو دليل على أن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة، ولكن قد يكون بعضها أو كلها من آثار الإيمان الذي في القلب، فالإنصاف من نفسك، وكونك تعترف بالحق الذي عندك ولا تجحده؛ إذا مثلا كان عندك دين أو نحوه فلا تجحد ما عندك، اعترف بأن عندك لفلان كذا ولفلان كذا، وكذلك أنصف من نفسك، إذا حصل منك اعتداء إذا حصل منك ضرب لفلان بغير حق، فأنصفه حتى يقتص منك ويأخذ بالثأر، وإذا قتلت أحدا ظلما فاعترف ولو أدى ذلك إلى قتلك قصاصا، وإذا أتلفت مالا فاعترف بأنك أنت الذي أتلفته حتى تكلف بدفع قيمته وما أشبه ذلك من الإنصاف.
المنصف حقا: هو الذي يعترف على نفسه بما فعل؛ يعترف على نفسه بأنه هو الذي جنى على فلان، أو استدان من فلان، أو استعار من فلان، وأن ما فعله فإنه عنده.
(بذل السلام للعالم) هذا أيضا من الخصال المتعدية، وهو السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الحديث، السلام تحية جعلها الله بين المسلمين يحيي بعضهم بها، قال الله تعالى: رسم> لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا قرآن> رسم> أي تقولون: السلام عليكم. إذا طرقت أحد الأبواب فإنك لا تدخل حتى تسلم ويؤذن لك، فتقول عند الباب: السلام عليكم أأدخل؟ إلى أن يؤذن لك ويقال: ادخل.
(الإنفاق من الإقتار) معناه أن ينفق الإنسان مما أعطاه الله ولو كان فقيرا، (الإقتار) هو الفقر في قوله، أو الإقتار: هو الإمساك والبخل، قال الله تعالى: رسم> وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا قرآن> رسم> ؛ رسم> لَمْ يُسْرِفُوا قرآن> رسم> في زيادة في الإنفاق وإسراف رسم> وَلَمْ يَقْتُرُوا قرآن> رسم> أي: لم يبخلوا؛ لأن طبع الإنسان الإمساك، قال الله تعالى: رسم> إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا قرآن> رسم> أي: بخيلا، فإذا كان الإنسان قد رزقه الله تعالى مالا فلا يكون قتورا أي: لا يكون شديد الإمساك، بل عليه أن ينفق ويعصي نفسه إذا دعته نفسه إلى الإمساك وإلى البخل، فإن هذا هو الإقتار، عليه أن يعصي نفسه، وعليه أن يبذل مما أعطاه الله ولو شيئا قليلا، وما ذاك إلا أنه ولا بد سيكون معه شيء من المال ولو كان قليلا فيعطي منه ولو تمرة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- رسم> اتقوا النار ولو بشق تمرة متن_ح> رسم> إذا رأى من يقبل التمرة ويستفيد منها فإنه لا يتركها بل يعطيها، فكيف بتمرات؟ فكيف بوجبات؟ فكيف بأكثر من ذلك أو أقل؟!
وأما الحديث يقول -لما سئل أي الإسلام خير؟ أو أي الإسلام أفضل؟- رسم> تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متن_ح> رسم>.
وهذا مثل ما ذكر في الأثر وهو أنك إذا أعطاك الله فإنك تطعم مما أعطاك، تطعم لوجه الله، قال الله تعالى: رسم> وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا قرآن> رسم> يعني: يطعمون الطعام الذي هو الأكل، رسم> مِسْكِينًا قرآن> رسم> الذي لا يجد كفايته ويدخل فيه الفقراء، رسم> وَيَتِيمًا قرآن> رسم> مات أحد أبويه وصار ليس عنده من ينفق عليه، رسم> وَأَسِيرًا قرآن> رسم> يعني: موثوقا مربوطا، سواء كان مسلما أو كافرا يعني: كالسجين ونحوه، فمثل هؤلاء كانوا يطعمونهم ويحتسبون الأجر فيقولون رسم> إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ قرآن> رسم> يعني: طلب رضاه فلا نريد منكم جزاء ولا شكورا. فهكذا يكون رسم> وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ قرآن> رسم> وهو أفضل الصدقة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا قد كان لفلان متن_ح> رسم> فدلنا ذلك على أن الإنفاق في حالة كون الإنسان قويا سويا صحيحا شحيحا.
في هذه الحال إذا أنفق فقد عصى نفسه عصى داعي النفس وهو الإمساك؛ لأن النفس تحرص على الإمساك، فإذا عصى نفسه كان هذا أفضل عمل، ومنه قوله تعالى: رسم> وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ قرآن> رسم> يعني: حال كونه يحب المال آتاه على حبه رسم> ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ قرآن> رسم> ذكر ستة؛ بدأهم بذوي القربى يعني: الصدقة على القريب صدقة وصلة. فينفق على أقاربه المحتاجين الذين عليهم نقص، وإن كانوا داخلين في المساكين ولكن لهم حق القرابة، جاء في الحديث: رسم> صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة متن_ح> رسم> فيقول الله تعالى: رسم> وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ قرآن> رسم> فهكذا جاء الترغيب في الصدقة على هؤلاء.
مسألة>