جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
48152 مشاهدة
باب الصلاة من الإيمان

باب: الصلاة من الإيمان. وقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ يعني: صلاتكم عند البيت. وقال -رحمه الله- حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء - رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال: أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل مكة ؛ فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك .
قال زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ .


الصلاة أيضا من الإيمان لأنها شعبة من شعب الإيمان. ويراد بذلك الصلاة كلها فرضا ونفلا؛ لأن الذي يحمل عليها هو الإيمان، ولأنها تزيد في الإيمان، ولأنها خصلة من خصال الإيمان؛ فالله تعالى جعلها من الإيمان.
ففي هذه القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه لما كان بمكة كان يصلي إلى جنوب الكعبة ؛ فيجعل الكعبة .
... والكعبة قبلة أبينا إبراهيم فكان يجمع بينهما ولما انتقل إلى المدينة لم يتمكن من الجمع بينهما في استقبالهما لأن الكعبة تكون في جهة الجنوب بالنسبة إلى المدينة وبيت المقدس في جهة الشمال بالنسبة إلى المدينة فأُمر بأن يستقبل بيت المقدس أولا: لأنه قبلة الأنبياء؛ ورجاء أن يعرف ذلك اليهود فيدخلوا في الإسلام.
واستمر على استقبالها ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا بعدما نزل في المدينة وأعجب اليهود أنه استقبل قبلتهم وقبلة أنبيائهم؛ ولكن لم يتأثروا ولم يقبلوا ولم يدخلوا في الإسلام، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يستقبل الكعبة يحب ذلك ويتمناه يحب أن يأمره الله باستقبال الكعبة فكان يقلب بصره ينتظر أن يؤمر بذلك.
ثم بعد هذه المدة أنزل الله عليه قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ –يعني- من اليهود لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعلمون أنها القبلة الصحيحة وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ –يعني- لو أتيتهم بالآيات وبالبراهين ما تبعوا قبلتك وإذا كان كذلك فلا تتبع قبلتهم اتبع قبلة أبيك إبراهيم .
ذكر الله في هذه الآيات قصة بناء الكعبة بناء إبراهيم في قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ إلى آخر الآيات وذكر فضل البيت في قوله تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وذكر دعاء إبراهيم بقوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ونحو ذلك؛ فكل ذلك مما حمله عليه السلام على أن يحب استقبال قبلة أبينا إبراهيم فصرفه الله –تعالى- بعد هذه المدة إلى الكعبة أمره بأن يستقبل الكعبة في هذه الآيات.
فلما استقبلها أنكر ذلك اليهود قالوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ما الذي حرفهم؟ ما الذي صرفهم؟ إن كانت القبلة الأولى قبلة صحيحة فلماذا تركوها؟ وإن لم تكن صحيحة فكيف تكون عبادتهم؟ وكيف تكون صلاتهم؟ يكونون في أول الأمر على غير هدى بل على ضلالة وتكون صلاتهم إليها ضائعة فأنزل الله تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ كان بعضهم قد مات على القبلة الأولى فَشَكُّوا في أمرهم ماذا نقول فيهم وقد ماتوا على تلك القبلة؟ ما صلوا إلى القبلة التي هي القبلة الصحيحة فعند ذلك أنزل الله فيهم هذه الآية وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ .
في هذه القصة أنه لما أنزلت عليه هذه الآيات استقبل القبلة قيل: إن أول صلاة استقبل القبلة فيها صلاة الفجر هذا هو الصحيح؛ ومع ذلك ما وصل الخبر إلى آخرين إلا صلاةَ العصر ما وصلهم الخبر؛ مر رجل على قوم يصلون إلى القبلة الأولى فأخبرهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بأن يستقبل مكة وكانت وجوههم إلى الشمال فاستداروا إلى الجنوب استداروا كما هم مشوا ومشى إمامهم إلى أن صاروا إلى القبلة التي هي الكعبة ورأوا أن هذا المشي لا يبطل الصلاة وذلك لأنه حرص على استقبال القبلة التي صرفوا عليها.
فالشاهد قول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ فجعل صلاتهم الأولى من الإيمان فدل على أن جنس الصلاة من جنس الإيمان وأنها من الإيمان .