إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42112 مشاهدة
باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

قال رحمه الله تعالى:
باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حسين المعلم قال: حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .


وهذا أيضا من الأعمال القلبية. المحبة عمل قلب، ومن جملتها المحبة الخاصة والمحبة العامة، فمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم من الإيمان. تذكرون الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه؛ كما يكره أن يقذف في النار ؛ فهذا دليل على أن المحبة من الإيمان.
المحبة تطلق على المودة التي في القلب، وتطلق على حب الشيء؛ يعني إيثاره، وهي معروفة في اللغة، ومعروفة في الشرع، وقد كثر الذين تكلموا في تعريفها، عرَّفها كثير من العلماء: منهم ابن القيم رحمه الله؛ ألف كتابا اسمه روضة المحبين ونزهة المشتاقين ذكر فيه تعريف المحبة؛ فذكر نحو ثلاثين تعريفا، وكذلك تكلم عليها في كتابه الكبير؛ شرح المنازل مدارج السالكين، لما أتى على المحبة ذكر تعريفات لها كثيرة، ثم إن كثيرا من العلماء قالوا: المحبة لا تحتاج إلى تعريف، والتعريفات لا تزيدها إلا غموضا؛ فتبقى على ما هي عليه.
في هذا الحديث أخبر بأن المحبة تجب بين المؤمنين، وأنها من خصال الإيمان؛ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ؛ يعني: لا يكون كامل الإيمان إلا إذا كان كذلك، والإيمان بلا شك أنه يتفاوت؛ فيكون مؤمنا ولكن ناقص الإيمان إذا كان يكيد لإخوانه، ويحسدهم ويظلمهم، ويعاملهم بما فيه ضرر عليهم؛ فإنه والحال هذه يعتبر ناقص الإيمان، وأما إذا كان يحب لهم الخير، ويدلهم عليه فإنه يعتبر كامل الإيمان، أو فيه خصلة شريفة رفيعة من خصال الإيمان.
وقد أطال العلماء في شرح هذا الحديث؛ بأنه يجب على المسلم أن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، وأن لا يستبد بمصلحة ..ويفسد بها إخوانه؛ يحسد عنها، ثم يدخل في ذلك أمور الدين والدنيا؛ أي: واجب عليك أن تحب لهم ما تحبه لنفسك من أمور الطاعة، فإذا كنت تحب لنفسك أن تكون من المطيعين فكذا لإخوانك، وإذا كنت تحب لنفسك أن تكون من المصلين، ومن المواظبين على الصلاة فكذا للمسلمين.
وإذا أحببت لنفسك أن تكون من المتطوعين؛ الذين يتطوعون بالصلوات وبالصيام ونحو ذلك، أو الذين يتطوعون ويتقربون بالصدقات، والذين مثلا يتقربون إلى الله بمناسك الحج والعمرة، والذين يتقربون إلى الله ويحصلون على حسنات؛ بعملهم الأعمال الصالحة النافعة والمتعدية والقاصرة؛ يعني: كالتسبيح والتحميد؛ تعرف مثلا أنك تحبه لنفسك؛ لأنه حسنات، وكذلك الذكر بأنواعه؛ لأنه حسنات، وكذلك أيضا قراءة القرآن؛ لأن فيها حسنات؛ فأنت تحب هذا لنفسك، فعليك أن تدل عليه إخوانك، وأن ترشدهم إليه، وأن تذكرهم بأن هذا من أعمال الخير؛ أحببته لنفسي وعملت به بقدر استطاعتي، فأنا آمرك أيها الأخ؛ لأني أحب لك الخير وأحب لك ما أحبه لنفسي، فإذا كان كذلك فإنه سيقبل ذلك منك، ويقول: ما نصحني إلا لصداقته ولصدق أخوته، فالمؤمنون إخوة، فهذا أخ لي قد محضني النصيحة.
وكذلك أيضا ضد ذلك؛ تحب لنفسك السلامة من الظلم والسلامة من الاعتداء، تحب لنفسك السلامة من الكبر والإعجاب، تحب لنفسك السلامة من الحسد والبغضاء والعداوة بين المسلمين، تحب لنفسك السلامة من المعاصي؛ السلامة من شرب الخمور وفعل فواحش الزنا ونحوه، وتحب لنفسك السلامة من المعاملات الربوية ونحوها، والسلامة من الغش في المعاملات، والسلامة من الحسد ومن الاختيال، ومن الظلم ومن الغرر في المعاملات وما أشبهها؛ فعليك أن تدل إخوانك على ذلك، وتبين لهم أن هذا محرم، وأن علينا جميعا أن نترك المحرم.
وأما الأمور الدنيوية فهي كذلك أيضا، وهي التي يستبد كثير من الناس بالمصالح الدنيوية. الواجب أنه لا يستبد بذلك، وأن عليه أن يبين الخصال المفيدة، وأن عليه أن يحرص كل الحرص على أن يبذل ما يستطيعه من النفع لإخوانه المسلمين، وألا يحسدهم.
فمثاله: إذا رأيت سلعا فيها ربح فقلت: أختص بها دون غيري، ولا أشرك فيها فلانا ولا فلانا ولا أحدا؛ فإن هذا من الحسد؛ ما أحببت لهم الخير الذي أحببته لنفسك، وكذلك إذا رأيت مثلا مصلحة دنيوية في سلعة من السلع، وفي أجرة أو في تجارة أو شركة، أو وظيفة أو نحو ذلك فقلت: أختص بها، أو أخص بها نفسي وولدي ولا أعطي فيها أحدا؛ فإنك بذلك ما أحببت للمسلمين ما تحبه لنفسك.
الواجب على المسلم أن يحب لنفسه الخير، ويحبه لإخوانه؛ خير الدنيا والآخرة، فالذين مثلا يحسدون الناس عند المصالح الدنيوية ما عملوا بهذا الحديث، وكذلك الذين يستأثرون ببعض المصالح والأرباح والتجارات، وهكذا الذين يضرون إخوانهم، ويضايقونهم في أملاكهم وفي أموالهم ما عملوا بهذا الحديث.
فالحاصل أن هذا الحديث حديث جامع؛ يدخل فيه ما تحبه لنفسك من الطاعة، وما تكرهه لنفسك من المعصية، وما تحبه لنفسك من المنافع الدنيوية، وما تكرهه لنفسك من المضار الدنيوية؛ أن عليك أن تساوي إخوانك في هذه الخصال كلها.
س: ما المراد بنفي الإيمان هنا يا شيخ؟ قوله: لا يؤمن أحدكم ما المراد بنفي الإيمان هنا؟
لا يكون كامل الإيمان؛ يعني: مثل الخصال التي تقدمت؛ لا يكون كامل الإيمان، ولا يكون مؤمنا حقا؛ بل إيمانه ناقص، وهذا دليل على أن هذه الأعمال من مسمى الإيمان، وأن من لم يتصف بها فإنه لا يكون مؤمنا حقا؛ بل نقول: إنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.