إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
62666 مشاهدة print word pdf
line-top
باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك

(باب): المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك. لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إنك امرؤ فيك جاهلية وقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .
حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن واصل عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم .


هكذا جعل هذا من خصال الجاهلية، ولا شك أن كل ما أضيف إلى الجاهلية فإنه جهالة، وأنه من خصال الجهل، والجاهلية ما قبل الإسلام، سموا بذلك لأن أعمالهم صدرت عن جهل أو لكثرة جهلهم، والجهل خصلة مذمومة ينفر منها كل أحد، لو قلت له: أنت جاهل. لنفر وقال: أنت أجهل مني أو نحو ذلك. ومع ذلك فإن الكثير يتصفون بصفات جاهلية.
أنكر الله تعالى في القرآن كثيرا من صفات الجاهلية، فقال تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ أي أن هذه الحمية والتعصب للأقارب ونحوهم ولو كانوا خاطئين هذا من حمية الجاهلية، وكذلك قال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى التبرج إبداء النساء الزينة، فجعل هذا أيضا من خصال الجاهلية، وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ يعني: الحكم بالعادات حكم الجاهلية، فكل هذا يدل على أن أمر الجاهلية مذموم.
ففي هذا أن المعرور لقي أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله عنه- ومعه مملوكه مملوك له غلام مملوك، وإذا هو قد لبس حلة وألبس غلامه حلة مثلها؛ الحلة اللباس الكامل اللباس الجميل، فتعجب وقال: كيف تسويه بنفسك مع أنه مملوكك، فأخبره بما فعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أنه سب رجلا أو حصلت مسابة بينه وبينه فكان منه أن عيره بأمه، عير ذلك الرجل وكانت أمه أمة يعني: مملوكة. قال له: يا ابن السوداء. كانت أمه أمة سوداء، فعند ذلك أنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بأن هذه فعلة جاهلية، وأنه لا يزال فيه أمر أو خصلة من خصال الجاهلية فقال: إنك امرؤ فيك جاهلية .
دلنا هذا على أن خصال الجاهلية تنافي خصال الإيمان، ودلنا هذا على أن الإنصاف من الإيمان، والإيمان فرع من الإسلام أو معتقد المسلمين.
لما عيره قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- هم إخوانكم خولكم إخوانكم يعني: هؤلاء المماليك بشر مثلكم إنسان مثلك جعلهم الله تحت أيديكم أي: أنه سخرهم لكم فصاروا مماليك لكم يخدمونكم ويتعبون في خدمتكم، ويبقى أحدهم ذليلا لسيده، ويبقى خادما له مجانا بمطعمه وكسوته.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هم إخوانكم خولكم يعني: خدمكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم .
فهكذا أخبر بأنهم إخوانكم في الإنسانية إذا لم يكونوا مسلمين، أو في الإنسانية والإسلام إذا كانوا قد أسلموا فهم إخوانكم وهم خدمكم يخدمونكم بالكره يعني: ولو كانوا غير مقتنعين؛ وذلك لأن الله قد ملككم رقابهم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم أي: سخرهم لكم وذللهم تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم يعني: يطعمه من طعامه الذي عنده والذي يأكله، ولهذا كان أبو ذر إذا قدم إليه طعامه دعا بالخادم وأمره بأن يأكل معه، سيما إذا كان الطعام قد أصلحه ذلك الخادم. وليلبسه مما يلبس ولهذا أبو ذر سوى بينه وبين غلامه فألبسه حلة كاملة كما أنه لبس مثلها، فهذا دليل أو الشاهد منه أن خصال الجاهلية من خصال الكفر.

line-bottom