شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب من قال إن الإيمان هو العمل
قال -رحمه الله تعالى-
باب من قال: إن الإيمان هو العمل؛ لقول الله تعالى: رسم> وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> فقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: رسم> فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> عن لا له إلا الله وقال: رسم> لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ قرآن> رسم> .
حدثنا أحمد بن يونس اسم> وموسى بن إسماعيل اسم> قالا حدثنا إبراهيم بن سعد اسم> حدثنا ابن شهاب اسم> عن سعيد بن المسيب اسم> عن أبي هريرة اسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> سئل أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور متن_ح> رسم> .
وهكذا استنبط البخاري اسم> -رحمه الله- من هذه الآيات أن الأعمال يدخل فيها الإيمان، وأن قوله تعالى: رسم> ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> وقوله: رسم> بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ قرآن> رسم> رسم> يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ قرآن> رسم> يدخل فيها جميع الأعمال، ومن جملتها أعمال القلب، يعني أن الإنسان يثاب على عمل القلب، ومنه: خوف الله، فأعمال قلب، ورجاؤه ومحبته والتوكل عليه، هذه من أعمال القلوب، فيثيبه الله، يدخل ذلك في هذه الآية رسم> ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> وفي قوله تعالى: رسم> كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ قرآن> رسم> أي بما عملتم. ولا يخالف ذلك ما جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمته متن_ح> رسم> فإن المراد أن عمله لا يكون السبب الوحيد في دخول الجنة؛ ولكن ذلك بفضل الله تعالى عليه، فإن فضل الله عليه كبير؛ حيث إنه الذي هداه، وأقبل بقلبه؛ وحيث إنه الذي أعانه على ذكره فهو يقول: أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، فالفضل من الله تعالى في أنه منَّ عليك وهداك وأنه أقبل بقلبك على طاعته؛ ولكن لا شك أن العمل يضاف إلى عامله –يعني- ينسب إليه، فيقال: هذه أعمالك، هذه صلواتك وزكواتك وصدقاتك، وهي التي قدمتها لآخرتك، فتكون من الأسباب في دخولك الجنة، كما أن الأعمال السيئة أيضا أسباب في دخول أصحابها النار.
فالعمل الذي يعمله الإنسان يضاف إليه؛ ولكن الأصل أنه منة من الله تعالى وفضل منه وتوفيق، إذا شكر العبد ربه فإن هذا الشكر يعتبر نعمة من الله تعالى فهو الذي أنعم عليك وهو الذي وفقك للشكر، يقول بعضهم:
إذا كـان شكـر نعمـة الله نعمـة | عليَّ لـه في مثلهـا يجـب الشكر |
فكـيف بلـوغ الشكـر إلا بفضلـه | وإن طـالت الأيـام واتصل العـمر |
إذا مس بالسـراء عـم سـرورها | وإن مس بالضـراء يعقبـها الأجر |
كذلك أيضا الأقوال التي يسأل عنها يوم القيامة هي منسوبة إليه يسأل عن قول: لا إله إلا الله هل عمل بها وطبقها وهل قالها عن عقيدة فدل ذلك على أن من جملة ما يعمل وينسب إليه التوحيد الذي هو قول: لا إله إلا الله.
كذلك أيضا جاء هذا الحديث الذي فيه تفاضل الأعمال، فيه أن رسول -صلى الله عليه وسلم- رسم> سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور متن_ح> رسم> جعل هذه كلها من الأعمال، أيّ العمل أفضل؟ وقد تقدم أنه -صلى الله عليه وسلم- أجاب غيره بأجوبة أخرى، أو أنه –مثلا- يجيب كل إنسان بما يناسب حاله، سأله رجل: أي العمل أفضل؟ فقال: رسم> تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متن_ح> رسم> لماذا أجاب ذلك بهذه الأعمال وذكر أنها أفضل من غيرها؟ لأجل أن ينفق ذلك الرجل، وكأنه لاحظ أنه قليل الإنفاق، فقال: رسم> تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متن_ح> رسم> وأما هاهنا فإنه لما سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله. فجعل الإيمان الذي هو عمل القلب أفضل الأعمال، ثم جعل بعده الجهاد، ثم جعل بعده الحج، وجعلها كلها من العمل.
فدل على أن العمل يدخل فيه عمل القلب، وعمل البدن.
فالإيمان بالله عمل قلب؛ ولكنها تدخل فيه أعمال البدن؛ لأن الأعمال من مسمى الإيمان، فجعله أفضلها؛ وذلك لأن رسوخه في القلب ينبعث عنه جميع الأعمال البدنية والقولية، وأما الجهاد فإنه نوع من أنواع العمل. الجهاد في سبيل الله عمل بدني، ولا شك أنه ينتج منه خير، وقتال الكفار على الإسلام؛ بحيث إنهم إذا دخلوا في الإسلام ينتصر المسلمون ويكونون أقوياء، فيذل أعداؤهم. فجعله في المرتبة الثانية بعد إيمان القلب، وجعل الحج المبرور في المرتبة الثالثة؛ وذلك لأنه –أيضا- في سبيل الله.
فالحاصل أن في هذا دليلا على تفاوت الأعمال، وكثرة ثوابها.
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على محمد اسم> .
أسئـلة
س: يقول السائل: عندما يشتري الرجل السلعة مثلا بخمسين ريالا، فيعطي البائع مائة، ولا يكون عند البائع الباقي، فيقول: ارجع إلي غدا أعطيك الباقي، هل هذا صحيح؟
سؤال> صحيح ذلك؛ لأنها عملة واحدة وليست صرفا، لا يسمى هذا صرفا إذا كان بجنس من جنسه؛ لأن هذه الفئات فئة خمسين وفئة مائة وفئة مائتين كلها نوع واحد ونقد واحد لا تفاوت بينها، أنت مثلا إذا اشتريت خمسا من الغنم كل واحدة بخمسمائة أعطيته ثمن واحدة، ورقة واحدة خمسمائة، وثمن الأخرى أعطيته ورقتين من فئة المائتين، وورقة من فئة المائة، والبقية أعطيته من جنس ذلك فإنه لا يرد ذلك.
أما الذي لا يجوز التفرق قبل التقابض فيه فإنه إذا اختلفت العملة، إذا كان مثلا صرفت ريالات سعودية بريالات يمنية أو قطرية فلا بد من التقابض قبل التفرق أو مثلا بدولارات أمريكية أو جنيهات مصرية فلا بد من التقابض قبل التفرق.
س: يقول السائل: ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> لا يحل بيع وصرف رسم> رأس> ؟
سؤال> كأنه يقول: إنه لا يجوز أن يشترط ذلك؛ لأنه قد يكون فيه غبن لأحدهما، وصورة ذلك: إذا قال: لا أبيعك هذه الشاة بخمسمائة إلا إذا صرفت لي هذا الجنيه بسبعمائة، فإنه قد يكون محتاجا للشاة، وقد يتضرر بصرف الجنيه.
وهكذا مثلا صرف النقود بغيرها، لا أبيعك مثلا هذا الثوب بخمسين إلا إذا صرفت لي هذه العشرة أو هذه المائة بدولارات بسعر كذا وكذا قد يكون هذا فيه غبن لأحدهما.
س: يقول: سحب النقود بالبطاقة خارج المملكة اسم> من الصراف بعملة البلد الذي أنت فيها بحيث لا ينزل المبلغ من رصيد الساحب إلا بعد فترة فهل هذا صحيح؟
سؤال> في هذه الحالة الأولى بالصارف إذا كنت مثلا في هذه البلدة والعملة الريال السعودي فإنك تذهب إلى أحد الفروع في هذا البلد فروع أحد البنوك التي مثلا في مصر اسم> لها فروع أو في سوريا اسم> أو في السودان اسم> أو نحو ذلك، ثم تقول لهم: معي عشرة آلاف حوِّلوها إلى السودان اسم> أو إلى المغرب اسم> يعني إلى دولة أخرى، ويعطونك بها سندا أن عندنا لك عشرة آلاف ريال سعودي أية فرع من فروعنا يعطيكها أو يعطيك بدلها، فجئت مثلا إلى فرعهم في سوريا اسم> وعملتهم تسمى ليرة، أو جئت إليهم إلى فرعهم في مصر اسم> وعملتهم تسمى جنيها أو جئت إليهم مثلا إلى فرعهم في الكويت اسم> وعملتهم تسمى دينارا فإنك تقول: أعطوني عشرة آلاف ريال سعودي هذا سندي، فيقولون: ليس عندنا إلا عملتنا فتقول: أعطوني بها ما تساوي فيصرفونها لك ويسمى صرفا بعين وذمة، العين الذي يدفعونها لك، والذمة التي يلتزمون بها؛ لأن في ذمتنا لك عشرة آلاف قيمتها مثلا ألف بالدينار الكويتي خذ الألف عنها والتسليم يكون يدا بيد فأما الأخذ من الصراف فيكون ذلك بعدما تعرف قيمتها اتصلت مثلا بهم فقالوا عندنا لك مثلا عشرة آلاف ريال قيمتها مثلا عشرة آلاف جنيه ومائة أو تسعة آلاف وتسعمائة أو نحو ذلك فإنك تأخذ هذا المقدار، كأنهم يقولون: هذا الذي عندنا لك إن شئت أعطيناك وإن شئت أخذته من الصراف.
س: هنا يشير إلى مسألة تقع في البنوك، وهو أنهم عند مراجعة البنك لتحويل مبلغ يعتبر بالريال السعودي مثلا ألف حتى يحصل على ثلاثمائة دولار مثلا فهو يدفع الألف ويعطونه ورقة فيها ثلاثمائة دولار يتسلمها من إندونيسيا اسم> مثلا ما حكمها؟
سؤال> نرى أن هذا لا يصلح لأن من شرط الصرف التقابض كونهم أعطوه هذه الورقة هذا ليس فيه قبض في هذه الحالة يعطونه الثلاثمائة ثم يردها عليهم فيقول حولوها لي في بلدة كذا وكذا في دولة كذا وكذا ويكون كما لو جاء بالدولارات وقال حولوها لي في دولة ليبيا اسم> أو تونس اسم> أو نحو ذلك فيستلمها هناك ثلاثمائة فأما إذا قالوا: صرفناها؛ ولكن لا نسلمها لك، ما عندنا الآن دولارات، توجد الدولارات في فرعنا في ليبيا اسم> أو نحوه فهذا غير صحيح؛ لأنه ما حصل التقابض؛ لكن في هذه الحال يقولون: عندنا لك عشرة آلاف ريال سعودي وصرفها هناك بالدولار الآن ثلاثة آلاف مثلا أو ثلاثة آلاف وثلاثمائة ارحل واصرفها بعين وذمة فيذهب إلى فرعهم هناك فيقول عندكم لي عشرة آلاف هذا سندهم فيقولون: قيمتها الآن ثلاثة آلاف، خذ ثلاثة آلاف أو ما أشبه ذلك.
س: هذا السائل يقول: ما حكم شراء الذهب بالبطاقة؟
سؤال> ما يجوز؛ لكن يجوز بالشيك، إذا كان له رصيد، مثلا دخلت ومعك شيك وتريد أن تشتري مثلا بخمسين ألف ذهبا وتخشى أن تحملها معك تخشى من اللصوص ونحوهم في هذه الحال تأتي إلى صاحب الذهب وتشتري منه بخمسين ألف وتعطيه شيكا وتحوله بالثمن على رصيدك.
س: البطاقة مثل الشيك؛ لأنها تنزل من الحساب مباشرة؟
سؤال> يمكن إذا كان أنه استلم هذه البطاقة، لكن يعني البطاقة قد يعني يتفاوت ما فيها.
س: في الأحاديث التي مرت بنا أو التي سمعناها منك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة في الوصال بالصوم: رسم> لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني متن_ح> رسم> ما هذا الإطعام حقيقة أم مجاز؟
سؤال> قيل: إنه يؤتى في الليل بطعام وشراب من الجنة حقيقي هكذا قاله بعضهم؛ ولكن صحح كثير من المحققين كابن رجب اسم> في اللطائف أنه طعام معنوي وليس هو حسيا يعني ليس هو أكل وشرب؛ وإنما هو ما يفتح الله تعالى عليه من المعارف وما يرد عليه من الواردات التي تقوم مقام الطعام والشراب، وأنشد قول الشاعر:
لهـا أحاديث من ذكـراك تشغلـها | عن الشـراب وتلهيـها عـن الـزاد |
س: يقول السائل: كونا أنا وجماعة صندوقا خيريا بحيث يدفع كل شخص مائة ريال سنويا من أجل المشاركة مع أفراد القبيلة لو طلبت دية عامة، المبلغ الآن له عندي ثلاث سنوات ولم يدفع شيء منه يعني لم ينقص فهل في هذا المبلغ زكاة؟
سؤال> إذا كان المبلغ لأشخاص معينين؛ فإنه فيه زكاة، وأما إذا كانوا تبرعوا به وقالوا في أعمال الخير أي لا يرجع إلينا، بل يرجع إلى غيرنا من المستحقين والمدينين مثلا فإنه يكون صدقة لا زكاة فيه.
س: يقول السائل: عندما أصلي أحس أنه خرج مني مثل الريح يعني أتوهم لأنني لا أحس به، فهل علي شيء؟ وصلاتي التي قد صليتها صحيحة أم يجب علي إعادتها؟
سؤال> لا تلتفت إلى هذا، يحدث هذا كثيراً بسبب بعض الوساوس، شُكِي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: رسم> لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متن_ح> رسم> فدل على أنه قد يبتلى بهذه الوساوس وتسمى القراقر فلا يلتفت إليها. مسألة>