شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك
(باب): المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك. لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> إنك امرؤ فيك جاهلية متن_ح> رسم> وقول الله تعالى: رسم> إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ قرآن> رسم> .
حدثنا سليمان بن حرب اسم> قال: حدثنا شعبة اسم> عن واصل اسم> عن المعرور اسم> قال: لقيت أبا ذر اسم> بالربذة اسم> وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> يا أبا ذر اسم> أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم متن_ح> رسم> .
هكذا جعل هذا من خصال الجاهلية، ولا شك أن كل ما أضيف إلى الجاهلية فإنه جهالة، وأنه من خصال الجهل، والجاهلية ما قبل الإسلام، سموا بذلك لأن أعمالهم صدرت عن جهل أو لكثرة جهلهم، والجهل خصلة مذمومة ينفر منها كل أحد، لو قلت له: أنت جاهل. لنفر وقال: أنت أجهل مني أو نحو ذلك. ومع ذلك فإن الكثير يتصفون بصفات جاهلية.
أنكر الله تعالى في القرآن كثيرا من صفات الجاهلية، فقال تعالى: رسم> إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ قرآن> رسم> أي أن هذه الحمية والتعصب للأقارب ونحوهم ولو كانوا خاطئين هذا من حمية الجاهلية، وكذلك قال تعالى: رسم> وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى قرآن> رسم> التبرج إبداء النساء الزينة، فجعل هذا أيضا من خصال الجاهلية، وقال تعالى: رسم> أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قرآن> رسم> يعني: الحكم بالعادات حكم الجاهلية، فكل هذا يدل على أن أمر الجاهلية مذموم.
ففي هذا أن المعرور اسم> لقي أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري اسم> -رضي الله عنه- ومعه مملوكه مملوك له غلام مملوك، وإذا هو قد لبس حلة وألبس غلامه حلة مثلها؛ الحلة اللباس الكامل اللباس الجميل، فتعجب وقال: كيف تسويه بنفسك مع أنه مملوكك، فأخبره بما فعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أنه سب رجلا أو حصلت مسابة بينه وبينه فكان منه أن عيره بأمه، عير ذلك الرجل وكانت أمه أمة يعني: مملوكة. قال له: يا ابن السوداء. كانت أمه أمة سوداء، فعند ذلك أنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بأن هذه فعلة جاهلية، وأنه لا يزال فيه أمر أو خصلة من خصال الجاهلية فقال: رسم> إنك امرؤ فيك جاهلية متن_ح> رسم>.
دلنا هذا على أن خصال الجاهلية تنافي خصال الإيمان، ودلنا هذا على أن الإنصاف من الإيمان، والإيمان فرع من الإسلام أو معتقد المسلمين.
لما عيره قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> هم إخوانكم خولكم متن_ح> رسم> إخوانكم يعني: هؤلاء المماليك بشر مثلكم إنسان مثلك رسم> جعلهم الله تحت أيديكم متن_ح> رسم> أي: أنه سخرهم لكم فصاروا مماليك لكم يخدمونكم ويتعبون في خدمتكم، ويبقى أحدهم ذليلا لسيده، ويبقى خادما له مجانا بمطعمه وكسوته.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> هم إخوانكم خولكم متن_ح> رسم> يعني: خدمكم رسم> جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم متن_ح> رسم>.
فهكذا أخبر بأنهم إخوانكم في الإنسانية إذا لم يكونوا مسلمين، أو في الإنسانية والإسلام إذا كانوا قد أسلموا فهم إخوانكم وهم خدمكم يخدمونكم بالكره يعني: ولو كانوا غير مقتنعين؛ وذلك لأن الله قد ملككم رقابهم رسم> إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم متن_ح> رسم> أي: سخرهم لكم وذللهم تحت أيديكم. رسم> فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم متن_ح> رسم> يعني: يطعمه من طعامه الذي عنده والذي يأكله، ولهذا كان أبو ذر اسم> إذا قدم إليه طعامه دعا بالخادم وأمره بأن يأكل معه، سيما إذا كان الطعام قد أصلحه ذلك الخادم. رسم> وليلبسه مما يلبس متن_ح> رسم> ولهذا أبو ذر اسم> سوى بينه وبين غلامه فألبسه حلة كاملة كما أنه لبس مثلها، فهذا دليل أو الشاهد منه أن خصال الجاهلية من خصال الكفر.
مسألة>