شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب علامات المنافق
باب علامات المنافق.
حدثنا سليمان أبو الربيع اسم> حدثنا إسماعيل بن جعفر اسم> حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل اسم> عن أبيه، عن أبي هريرة اسم> عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا اؤتمن خان متن_ح> رسم>.
حدثنا قبيصة بن عقبة اسم> قال: حدثنا سفيان اسم> عن الأعمش اسم> عن عبد الله بن مرة اسم> عن مسروق اسم> عن عبد الله بن عمرو اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر متن_ح> رسم> تابعه شعبة اسم> عن الأعمش اسم> .
قيل: إن هذه علامات يعرف بها المنافق؛ لأن المنافق هو الذي يضمر الكفر، يخفي الكفر ويظهر الإيمان حتى يأمن على نفسه وعلى ماله؛ كالمنافقين الذين في المدينة فإنهم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلوا في الإسلام ظاهرا وكانوا يطلعون الكفار على أسرار المؤمنين؛ ولأجل ذلك سماهم الله تعالى منافقين؛ أي كانوا مع الكفار في الباطن، أو مع اليهود وأما في الظاهر فإنهم مع المؤمنين؛ يجاهدون ويصلون ويتصدقون ولكن قلوبهم تميل إلى الكفار، يحبون الكفار ويقدمونهم ويحبون اليهود ويؤثرونهم.
ففي قصة عبد الله بن أُبَيّ بن سلول اسم> لما مرض جاءه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: رسم> يا عبد الله اسم> قد كنت أنهاك عن حب اليهود متن_ح> رسم> فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة اسم> فمات. يعني: أن محبتهم ليست هي السبب في أني أموت، فقد أبغضهم غيري ولم يمنعه بغضه من الموت؛ فدل على أنه كان يميل إلى اليهود ويحبهم. فكذلك أيضا...
... المنافقون ضد المؤمنين. إذا عرفنا هذه الخصال؛ فتكون علامة على ما في قلوبهم.
الخصلة الأولى: الكذب. قال الله تعالى: رسم> وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ قرآن> رسم> فالكذب من طبعهم يحدثونك ولكن يكذبون. يقول الله تعالى: رسم> وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ قرآن> رسم> فهم يقابلونك ويحلفون بأنهم معكم وبأنهم يحبونكم ولكن قلوبهم منكرة وهم مستكبرون. يقول الله تعالى: رسم> يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قرآن> رسم> ويخبر عنهم الكذب كقوله تعالى: رسم> بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ قرآن> رسم> فدل ذلك على أن هذا من خصالهم الكذب؛ فيقال: الكذب من خصال المنافقين.
ورد في بعض الآثار رسم> قيل: المؤمن يزني؟ قال: يزني. المؤمن يسرق؟ قال: يسرق. قيل: المؤمن يكذب؟ قال: لا رسم> يعني: المؤمن الصادق الإيمان يمنعه من الكذب الذي هو الإخبار بغير الحقائق، وهذا دليل على أن إثمه أكبر من إثم الزاني ونحوه. فالمنافق إذا حدث كذب ليخدع من يحدثه.
ثانيا: الخلف رسم> إذا وعد أخلف متن_ح> رسم> الوعد: ميثاق يربطه الإنسان مع غيره. نصف .. خصال المنافقين. قال الله تعالى: رسم> بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ قرآن> رسم> وعدوا الله تعالى بأنهم يجاهدون ويجتهدون وينفقون، ولكن أخلفوا الوعد؛ فهذه من خصال المنافقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الوفاء بالوعد؛ إذا وعد وعدًا فإنه يوفي به ولا يتركه ولا يخلفه، ويحث على الوفاء بالمواعيد.
الخصلة الثالثة: رسم> وإذا ائتمن خان متن_ح> رسم> هذه من خصال المنافقين.
الخيانة ضد الأمانة. والله تعالى قد مدح الذين يؤدون الأمانات في قوله تعالى: رسم> وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ قرآن> رسم> يعني: إذا كان عندك أمانة؛ فاحرص على أن تحفظها وعلى أن تؤديها إلى صاحبها، ولا تخن فيها وتكذب وتجحد.
جاء في حديث رسم> أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك متن_ح> رسم> لو قدر مثلا أن صاحب هذه الأمانة ائتمنك عليها؛ فعليك في هذا أن تؤدي أمانته التي ائتمنك عليها، ولا تقول: أجازيه فإنه قد خانني. بل عليك الوفاء بالوعد، وعليك أداء الأمانة، ولا تنتقم منه لنفسك في الدنيا. حقك عند الله . إذا كان قد خانك؛ فإنك تأخذ خيانته من حسناته في الآخرة، رسم> ولا تخن من خانك متن_ح> رسم> هذه ثلاث خصال.
في الحديث الثاني خصلتان أيضا، وهما قوله: رسم> إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر متن_ح> رسم>.
العهد: هو الميثاق بين اثنين أو بين جماعتين.
والغدر: هو الخيانة وخلف الموعد. وقد أكد الله تعالى الوفاء بالوعد، وكذلك أكد أيضا النهي عن نقض العهد في آيات كثيرة. ذكرنا قوله تعالى: رسم> وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ قرآن> رسم> العهد هو الميثاق؛ الذين يرعون العهد من المؤمنين، والذين ينقضون العهد من المنافقين.
وقال تعالى: رسم> وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا قرآن> رسم> ومعنى ذلك أنه إذا أكد كلاما بيمينه وتعهد عهدا بقوله: أعاهدك أن آتيك بحقك أو آتيك في وقت كذا وكذا؛ فإن عليه الوفاء بذلك العهد. رسم> وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ قرآن> رسم> رسم> وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ قرآن> رسم> رسم> وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا قرآن> رسم> ؛ أي: إذا عاهدتم عهدا بالله فأوفوا. رسم> وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ قرآن> رسم> .
فجعل من جملة الوصايا الوفاء بعهد الله. وقال تعالى: رسم> وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا قرآن> رسم> فيدل على آكدية الوفاء بالعهد، وضد ذلك هو نقض العهد نقضه يعتبر خلفا للوعد ونقضا للعهد.
وأما الخصلة الخامسة فهي الفجور: رسم> وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر متن_ح> رسم> الفجور هو الحلف كاذبا بحيث لا يبالي باليمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر؛ لقي الله وهو عليه غضبان متن_ح> رسم> فيفجر في حلفه؛ يحلف وهو فاجر؛ فيكون بذلك قد تعرض لعذاب الله تعالى الذي توعد به.
فهذه الخصال الخمس: رسم> إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر متن_ح> رسم> هذه من خصال المنافقين، والنفاق من الكفر. نكتفي بهذا.
مسألة>