تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
50163 مشاهدة
باب زيادة الإيمان ونقصانه

باب زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص. حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير .
قال: أبو عبد الله قال: أبان حدثنا قتادة حدثنا أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (من إيمان) مكان (من خير). وحدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون قال: حدثنا أبو العميس قال: أخبرنا قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا قال: عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم بعرفة يوم جمعة.


ذكر زيادة الإيمان وأورد عليه البخاري أدلة من القرآن كقوله تعالى: في سورة آل عمران فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وفي سورة الأنفال وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وفي سورة التوبة أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وفي سورة المدثر وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يقول لا شك أنه إذا كان يزيد دل على أن الأعمال من مسمى الإيمان لأن الأعمال هي التي يزيد بها هي التي يزيد الله تعالى العبد بها إذا كلما تزود من الأعمال الصالحة زاد إيمانه.
ولا شك أنه إذا كان يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان، كل شيء يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان فزيادة الإيمان بالأعمال الصالحة ونقصانه بالسيئات؛ فقراءة القرآن زيادة في الإيمان؛ وقراءة الغناء والطرب نقص في الإيمان؛ سماع الذكر والقرآن والخير يزيد به الإيمان؛ سماع اللهو واللعب والقيل والقال نقص في الإيمان؛ تسبيح الله تعالى وذكره زيادة إيمان؛ السباب والشتم والغيبة والنميمة نقص في الإيمان، وهكذا.
من الأدلة أيضا تفاوت أهل الإيمان حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن بعض من يدخل النار معهم إيمان ولكنه إيمان ضعيف فيخرجون لأجل الإيمان الذي معهم فيخرج الله من كان في قلبه مثقال شعيرة حبة شعير من إيمان ماذا تزن؟ شيئا يسيرا؛ ثم يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال برة حبة من بر ماذا تزن؟ ولكنها تكون من جملة الإيمان؛ كذلك أيضا يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة. (الذرة) هي النملة الصغيرة يخرجه الله –تعالى- من النار وذلك دليل على أن الإيمان يتضاعف وهناك من يكون الإيمان في قلبه أرسى من الجبال وأثقل من الصخور وهناك من لا يكون في قلبه إلا مثقال ذرة أو نحوها وهناك من لا يكون في قلبه شيء وهم الكفار ونحوهم، فالحاصل أن هذا دليل على أن أهل الإيمان يتفاوتون وأما الآية الكريمة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يدل على أن من لم يأت بالدين كله فإنه لا يكون دينه كاملا.
كانت الشريعة تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا فشيئا كلما ألِفُوا شيئا فرضه الله عليهم؛ وكان آخر ما فرض عليهم الحج؛ الحج إلى البيت فحج النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين للناس مناسكهم وبعدما وقف بعرفة وتمت هذه الحجة وتم هذا النسك أنزل الله عليه هذه الآية في سورة المائدة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا يوم شريف لما سمعها بعض اليهود قالوا: ذلك اليوم الذي نزلت عليكم هذه الآية يوم شريف لو كانت نزلت علينا لجعلنا ذلك اليوم عيدا فأخبرهم عمر -رضي الله عنه- بأنه يوم عيد لنا نزلت عليه بيوم عرفة الذي هو أفضل أيامنا والذي وافق أيضا يوم جمعة.
فيكون ذلك دليل على أنه فرضه الله –تعالى- وأنه جعله عيدا للمسلمين يحتفلون فيه ويجتمعون فيه في ذلك المكان العظيم؛ ذكر الله –تعالى- أنه في ذلك اليوم أكمل الدين فيدل على أن من لم يأت بالدين كله الذي فرضه الله فإنه يعتبر قد نقص من دينه نقص من عبادته ونقص من ديانته فلا يكون دينه كاملا بل يكون ناقصا وهذا دليل على أن الإسلام والدين والإيمان يتفاوت أهله.
فمثلا الذي ما أتى بالحج لا يزال دينه ناقصا سيما إذا كان قادرا عليه أما إذا أتى به فإن الله –تعالى- إذا كمل الدين أركان الإسلام فإنه يكون دينه كاملا وافيا فكل من نقص شيئا من تعاليم الدين نقص دينه ومن كملها كمل دينه إذا قبله الله تعالى، نقف هاهنا .