شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب أداء الخمس من الإيمان
قال -رحمه الله- باب أداء الخمس من الإيمان.
حدثنا علي بن الجعد اسم> قال: أخبرنا شعبة اسم> عن أبي جمرة اسم> قال: كنت أقعد مع ابن عباس اسم> يجلسني على سريره فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي، فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم: بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا اسم> رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس. ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت. وربما قال: المقير. وقال: احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم متن_ح> رسم> .
هذا حديث وفد عبد القيس قبيلة من ربيعة، وذلك لأن أكثر العرب الذين في الجزيرة اسم> من قبيلتين من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان اسم> وقبيلة من مضر مضر بن نزار بن معد بن عدنان اسم> قريش ونحوهم من مضر، ومسيلمة اسم> وقبيلته من ربيعة، عبد القيس من ربيعة، وكانت منازل عبد القيس في أقصى البحرين اسم> في جهة البحرين اسم> وكان بينهم وبين مضر عداوات، كل من ظفر بأحد من تلك القبيلة قتله؛ أي: مضر إذا وجدوا أحدا من ربيعة قتلوه وربيعة كذلك، ولا يأمنون إلا في الأشهر الحرم التي هي شهور ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، في هذه الأشهر يأمنون؛ بحيث إن أحدهم يلقى قاتل أبيه فلا يقتله.
فذكر هؤلاء الوفد لما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايعونه ويسلمون ويتعلمون قال: رسم> مرحبا بالوفد متن_ح> رسم> في هذا الحديث عن أبي جمرة اسم> أبو جمرة الضبعي اسم> تلميذ ابن عباس اسم> يقول: كنت أقعد مع ابن عباس اسم> يجلسني على سريره. كان يبلغ عنه لم يكن هناك مكبر، فكان أبو جمرة اسم> إذا تكلم ابن عباس اسم> بكلمة رفعها حتى يسمعها البعيدون؛ فقال له: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي. يعني: لما رأى له من الفائدة والمنفعة.
بعد ذلك يقول: أقمت عنده شهرين، وهو يسمع منه ويتعلم منه، حدثه ابن عباس اسم> بوفد عبد القيس لما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حياهم وقال: رسم> من القوم أو من الوفد؟ فقالوا: ربيعة متن_ح> رسم> يعني: أننا من ربيعة، فقال: رسم> مرحبا بالقوم، أو مرحبا بالوفد متن_ح> رسم> المعنى واحد، الترحيب هو التحية والتوقير.
رسم> غير خزايا ولا ندامى متن_ح> رسم> أي: أنكم جئتم للتعلم فأبشروا فإنكم لا تكونون ممن أخزاهم الله، ولا تندمون على ما فعلتم.
فقالوا: رسم> يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام متن_ح> رسم> أي: لا نستطيع أن نقطع هذه المسافات إلا في الأشهر الحرم، بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، كانت منازل مضر في حدود العراق اسم> في شمال المملكة اسم> ويمتدون أيضا إلى الحجاز اسم> وما حولها، وكان أكثرهم لا يزالون كفارا.
يقولون: رسم> فمرنا بأمر فصل متن_ح> رسم> يعني: أخبرنا بخبر واضح نعمل به، رسم> نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة متن_ح> رسم> وسألوه عن أواني الأشربة بعدما حرمت الخمر، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، ما ذكر ابن عباس اسم> جميع التعاليم التي عُلِّموا بها؛ ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالحلال والحرام، وأخبرهم بصفة العبادات، وأخبرهم بمقادير الزكاة، وأخبرهم بالجهاد، وأخبرهم بتحريم الخمر وتحريم الزنا وتحريم السرقة وتحريم قتل المسلم وغير ذلك.
فمما أمرهم به الإيمان بالله وحده، ثم فسره وذكر أنه أركان الإسلام؛ فتكون أربع، رسم> شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا اسم> رسول الله متن_ح> رسم> فجعل هذا داخلا في الأربع وجعله من الإيمان؛ وذلك لأن الذي يشهد لله بالإلاهية لا بد أن يعبده، والذي يشهد لمحمد اسم> بالرسالة لا بد أن يتبعه، إذا قال: محمد اسم> رسول الله. أطاعه واتبعه، وإذا قال: لا إله إلا الله. عبد الله.
رسم> إقام الصلاة رسم> يعني: المواظبة عليها.
رسم> إيتاء الزكاة رسم> يعني: إخراجها من المال إذا كان عنده مال فيه الزكاة.
رسم> صيام رمضان رسم> يعني: .. التطوع.. بأدائه لله، أداء الخمس من المغنم يعني: إذا قاتلتم وغنمتم غنيمة فأخرجوا الخمس.
(أخرجوا الخمس) وهذا هو الشاهد حيث إن البخاري اسم> قال: أداء الخمس من الإيمان. فإخراج الخمس جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من خصال الإيمان.
يقول: رسم> ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وربما قال: المقير متن_ح> رسم>.
هذه أواني يجعلون فيها ماء وتمرا، فخاف أن التمر يصير ذلك الماء خمرا حراما، فالحنتم: هو الذي يصنع من الطين وتجعل له رءوس ضيقة هذا الذي يسمى بالجرار، الجرة التي رأسها ضيق ووسطها واسع، إذا جعلوا فيها تمرا وماء ومكث فيها يوم أو نصف يوم يخاف أنه ينقلب خمرا، فهذا مما نهاهم عنه.
الدباء: القرع. نوع من القرع شبه الجرة التي رأسها دقيق، إذا تركت حتى تيبس صلبت قشرتها، وإذا صلبت أخذوا ما في جوفها من الحب ومن اللب واستعملوها، يجعلونها إناء للدهن، وقد يجعلون فيها تمرا وماء أو تمرا وعسلا فيتغير بسرعة لضيق فمها.
النقير: خشبة ينقرونها، قطعة من خشب أثل أو نحوه، يجعلون رأسها ضيقا ثم ينبذون فيها، ويخاف أنها تتغير الأشربة فيها.
المزفت: إناء من خشب أو إناء من حديد أو من نحاس يطلى بالزفت. وربما قال: رسم> المقير متن_ح> رسم> أي: القار. القار والزفت شيء واحد، هذا الأسود إذا طليت به هذه الأقداح أوشك أنها تغير ما يجعل فيها، فالشاهد أنه جعل أداء الخمس من الإيمان.
مسألة>