شرح القواعد الأربعة
القاعدة الأولى: معرفة توحيد الربوبية وأن الكفار مقرُّون به
ذكر أن معرفة هذا يكون بأربع قواعد، ذكرها الله تعالى في كتابه. - نقرأ القاعدة الأولى-
القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّون بأنَّ الله تعالى هو الخالق المدبِّر، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام.
والدليل قوله تعالى: رسم> قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قرآن> رسم>
هذه القاعدة ترد على القبوريين الذين يعبدون الأموات، ويصرفون لهم خالص العبادات فيقولون: إننا لا نشرك، وإنما نتوسل. كما يأتي في القاعدة التي بعدها، وكيف تجعلوننا مثل المشركين الأولين؟ المشركون الأولون كذبوا الرسول ونحن نصدقه. وكذبوا القرآن. وقالوا: إن هذا إلا سحر مفترى، وقالوا شاعر أو كاهن أو ساحر.
ونحن نقول: إنه رسول الله، وأن القرآن كلام الله. وقالوا أيضا: إنه ليس هناك بعث، ونحن نقر بالبعث وباليوم الآخر، فكيف تجعلوننا مثلهم؟ فبين لهم في هذه القواعد أنكم مثلهم في الشرك، وفي الاعتقاد.
هذه القاعدة تبين أن المشركين الأولين لم يكونوا يجحدون خلق الله تعالى للخلق، بل يعترفون بأن ربنا سبحانه هو الخالق، ويسمى هذا الاعتراف وهذا النوع توحيد الربوبية، يعني: التوحيد الذي يعترف به المشركون هو أن الله تعالى هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزق من يشاء، وهو الذي يدبر الأمور، هو الخالق، يعني: الذي بدأ الخلق، وهو الرازق الذي يرزقهم، وهو الذي يدبر الأمور كيف يشاء.
وهذا ذكره الله تعالى عن المشركين -يعني الوثنيين- في عدة آيات، هذه الآية في سورة يونس: رسم> قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ قرآن> رسم> يعترفون بأن ذلك من الله، فالذي يرزقهم من السماء -يعني الذي ينزل المطر حتى يرحمهم- هو الله الذي جعل هذه الأرض رخاء، حتى تنبت لهم النبات، هو الله الذي يعترفون بأنه هو الذي خلق هذه المخلوقات، كذلك يملك السمع والأبصار، يعني: هو الذي أعطى الإنسان، وأعطى هذه الحيوانات السمع والبصر، وإذا ذهب السمع فمن يَرُدُّهُ؟ وكذلك إذا ذهب البصر.
يقول تعالى في سورة الأنعام: رسم> قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ قرآن> رسم> يعترفون بأنه لا يملك ذلك إلا الله. يملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت.
قيل: إن الحي هو النبات يخرج من الأرض الميتة، ويحيي الأرض بعد موتها، ويخرج الميت من الحي: أنه الثمر الذي يخرج من هذا الشجر. فالثمر إذا قُطِفَ يكون ليس به نمو، فكأنه ميت، وفسر بأنه عام لذلك، وأن مثاله مثلا: يخرج البيض من الطير، والبيض ميت، ويخرج الفرخ من البيض، الفرخ حي، والبيض ميت.
وفُسِّر بأنها حياة معنوية: يعني يخرج المسلم من الكافر، والكافر من المسلم؛ فإن الله تعالى جعل الكفار أمواتا في قوله تعالى: رسم> وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ قرآن> رسم> فالأحياء هم المؤمنون، والأموات هم الكفار. يخرج الله تعالى من الكفار ذرية مسلمين، ويخرج أيضا من المسلمين ذرية كفارا رسم> يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قرآن> رسم> رسم> وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قرآن> رسم> ؟ من الذي يدبر هذه الشمس؟ من الذي خلقها ويسيرها؟ والقمر: من الذي يسيره، وجعله بهذا المقدار؟ تارة يكون إلى جانب الشمس، وتارة يكون بعيدا عنها؟ ومن يسير هذه الأفلاك؟ هذه النجوم وما فيها من العجائب؟ وكذلك من يرسل الرياح؟ من ينشئ السحب؟ يعترفون بأن ذلك هو الله، دل على أنهم معترفون بهذا النوع الذي هو توحيد الربوبية.
ومثل هذه الآية آيات في سورة المؤمنون قوله تعالى: رسم> قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا قرآن> رسم> يعني: لِمَن ما في الأرض كلها، ومن فيها من النباتات والحيوانات والدواب والوحوش والحشرات وما أشبهها، رسم> قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قرآن> رسم> .
يعترفون بأنها ملك لله؛ لأنه ليس هم الذين يدبرونها، وليس هم الذين خلقوها، الله تعالى هو الذي ابتدأ خلق الوحوش، وخلق الطيور، وخلق الحشرات، وخلق الحيوانات التي في البر والبحر رسم> قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قرآن> رسم> .
أي: السماوات والأرض، يعني أنهم يعترفون بأن السماوات سبع، ويعترفون بأن الله تعالى على العرش، وأنه رب العرش العظيم. فسيقولون: لله، أي هي خلق لله، وهي ملك لله رسم> قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ قرآن> رسم> من بيده: يتصرف فيها كما يشاء، ملكوت كل شيء رسم> وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ قرآن> رسم> .
أي: فهو الذي يتصرف فيها، يُفْقِرُ ويغني، يميت ويحيي، يشفي ويبرئ، يمنع ويعطي، يتصرف فيها رسم> قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ قرآن> رسم> يعني: هو الذي يحمي من أراد من عباده ويحفظهم، ولا أحد يجير عنه، إذا أراد الله تعالى بعبده، أو بأحد من عباده ضرا أو نفعا لن يقدر أحد أن يمنعه.
رسم> قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ قرآن> رسم> يقول عليه السلام: رسم> لو اجتمع الناس على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك متن_ح> رسم> فالحاصل أنهم يعترفون بأن هذا كله لله.
وقال تعالى في سورة العنكبوت: رسم> وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قرآن> رسم> -يعني سيرهما- رسم> لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قرآن> رسم> يعني: يعترفون بأن ذلك لله تعالى، ثم قال: رسم> وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قرآن> رسم> يعترفون بذلك.
ومثلها أيضا في سورة لقمان، وفي سورة الزخرف: رسم> وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ قرآن> رسم> وفي آخر السورة هنا: رسم> وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قرآن> رسم> وفي سورة الزمر: رسم> وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ قرآن> رسم> .
الآية. في قولهم: الله، اعتراف منهم بأن الله هو الذي أوجد هذه الموجودات، وهو الذي خلقها. ولكن هذا الاعتراف ما عصم دماءهم، ولا أدخلهم في الدين، بل يصبح حجة عليهم في توحيد العبادة؛ ولهذا في آيات المؤمنون: رسم> سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قرآن> رسم> - يعني فتعبدونهم - رسم> سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قرآن> رسم> .
يعني: إذا كنتم تعترفون، لماذا لا تتقون الله؟ فتخلصون له العبادة، وتعبدونه وحده رسم> سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ قرآن> رسم> أي: كيف تُصْرَفُون عن عبادته، وتعبدون معه غيره؟ ! فاحتج عليهم بتوحيد الربوبية الذي يعترفون به، على توحيد العبادة الذي يشهدونه، ويجعلون مع الله تعالى آلهة أخرى.
وإذا قلت: إن الله تعالى دائما يذكر هذا النوع، ويكرر وصفه بهذه المخلوقات، فالجواب: أن ذلك دعوة للمشركين إلى الاعتراف بأنه المستحق للعبادة وحده، ولهذا لما أمر الله تعالى بعبادته في أول سورة البقرة: رسم> يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ قرآن> رسم> احتج عليهم بست آيات: رسم> الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ قرآن> رسم> ؛ فهذا احتجاج عليهم: كيف تعبدون معه غيره؟ وهو الذي خلقكم وخلق أسلافكم، وأنعم عليكم بهذه النعم؟ !
وَذكروا أنه لما نزل قول الله تعالى: رسم> وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ قرآن> رسم> قال المشركون: كيف يسع الناس كلهم إله واحد؟! ما الدليل؟! أنزل الله بعدها: رسم> إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ قرآن> رسم> إلى آخر الآية، أي أن هذا دليل، وهذه آيات وبراهين تدل على أنه إله واحد.
وأخذ ذلك ابن المعتز اسم> ذكر ابن كثير اسم> في تفسير هذه الآية في سورة البقرة: رسم> يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ قرآن> رسم> ذكر قول ابن المعتز اسم>
فواعجـبا كيـف يعصـى الإلـه؟ | أم كيـف يجحـده الجـاحـدُ؟ |
وفـي كـل شـيء لـه آيــة | تــدل عـلـى أنـه واحـدُ |
وللـه فـي كــل تحـريكــةٍ | وتسـكينةٍ أبــدًا شـاهــدُ |
نقرأ القاعدة الثانية:
مسألة>