إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
تفاسير سور من القرآن
66565 مشاهدة
سبب نزول قوله: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

...............................................................................


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يقول الله جل وعلا: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ .
قد تقرر في علوم الحديث: أن تفسير الصحابي إذا كان له تعلق بسبب النزول أن له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف في مصطلح الحديث.
وإذا علمتم ذلك، فاعلموا أن مسلم بن الحجاج رحمه الله في آخر صحيحه أخرج عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير أن هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف نزلت فيما كان يفعله المشركون من أنهم يطوفون بالبيت عراة؛ فأنزل الله النهي عن ذلك، والتجمل بلباس الزينة، وستر العورة للطواف، وللصلاة في جميع المساجد؛ فالسبب خاص واللفظ عام، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما سنوضحه إن شاء الله.
والمعروف في مختلقات العرب التي كانوا يفعلون أن غير الحمس. والحمس جميع قريش؛ لأن من قريش أهل بطاح، وأهل ظواهر، وجميعهم هم وحلفاؤهم يسمون الحمس؛ فأهل البطاح منهم: أولاد كعب فما دونه، وما فوق كعب وهم بنو عامر بن لؤي، وبنو الحارث بن فهر، وبنوه الحارث بن فهر من قبائل قريش.
هؤلاء كانوا ليسوا ببطاح مكة بل في الظواهر، فهؤلاء أهل الظواهر.وهؤلاء الأبطحيون في نفس بطحاء مكة والجميع يسمون الحمس، هم قريش بجميعها أهل بطحاها، وأهل ظواهرها.
كانت عادة العرب في الجاهلية أن الإنسان إذا جاء يريد الطواف ببيت الله الحرام إن كان له صديق من الحمس أعطاه ثوبا يطوف فيه، وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل البعثة كان له صديق من بني تميم هو عياض بن حمار الذي كان بعد ذلك صحابيا كريما.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد عياض بن حمار أن يطوف أعاره ثوبه ليطوف فيه، كما هو معروف في التاريخ.
فإن أعاره أحد الحمس ثوبه طاف فيه، وإن لم يجد من يعيره من الحمس ثوبا فإن كان ثوبه جديدا لم يلبسه قبل ذلك طاف فيه، ولكنه عندما يطوف فيه يلقيه من حاله، ويذهب عريانا؛ لأنهم يقولون: لا نطوف بيت الله بثياب عصينا الله فيها، أو يتفاءلون أنهم يخرجون من الذنوب، ويتعرون منها، كما تعروا من الثياب، وهذه تشريعات الشيطان.
والإنسان منهم إذا طاف في ثوبه لابد أن يلقيه، وإن لم يلقه ضربوه حتى يلقيه، ويسمى ذلك الثوب لَقَى، وهو معروف في التاريخ -ومنه قول الشاعر-؛ لأن اللقى هذا الثوب الذي يلقيه من طاف فيه يبقى طريحا تدوسه أقدام الناس في المطاف. وبعضهم قالوا: يلقون اللقى فيهما، ومنه قول الشاعر:
كـفى حزنـا كـري عليـه كأنـه
لقـا بـين أيـدي الطائفـين حـريم
يعني: أخله ميتا تدوسه رجال أقدام الناس وهو ميت؛ كأنه هذا الثوب اللقى الذي طرحه من طاف به؛ فإن لم يجد من يعيره وكان الثوب قديما في زعمهم قد عصى الله فيه طرح الثوب، وجاء عريانا، وطاف عريانا، والعياذ بالله.
وتطوف المرأة عريانة، وبعضهم يقول: كانت النساء تطوف بالليل ليس عليهن ثياب، والرجال يطوفون بالنهار، والبيت الذي تقوله الطائفة:
اليـوم يبـدو بعضـه أو كـلــه
فمـا بــدا منــه فـلا أحلــه
هو في صحيح مسلم في حديث ابن عباس الذي ذكرناه آنفا، وأنه تفسير صحابي لهذه الآية متعلق بسبب النزول فله حكم الرفع، فكأنه حديث صحيح في حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول: إن معنى الآية خُذُوا زِينَتَكُمْ ؛ يعني خُذُوا زينة اللباس، واستروا بها عوراتكم عند الطواف بالبيت والصلاة. والآية وإنْ كان سبب نزولها في طوافهم بالبيت عراة فلفظها عام لكل مسجد، والمقرر في الأصول، أن اللفظ إن كان عاما والسبب كان خاصا؛ فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب؛ هذا هو الحق الذي عليه جماهير العلماء، وعليه عامة الأصوليين إلا من شذ.