الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
تفاسير سور من القرآن
66549 مشاهدة
ضرورة الاهتمام بالحرف الصناعية

...............................................................................


وهذا يدل على أن الحرف الصناعية ينبغي للمجتمع الاهتمام بها؛ ولذا كان أول نجار في الأرض نوح وأول معلم في النجارة جبريل .
وأول حداد في الأرض هو داود عليه السلام، كما قال الله له: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ والله يعلمه أصول الحدادة كقوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ؛ وأن قوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ من أعظم تعاليم أصول الحدادة؛ لأن معنى وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد في لغة العرب نسج الدرع، تسميه العرب سردا وزردا، وتسمي ناسج الدروع سرادا وزرادا، والدرع مسرودة كما هو معروف، ومنه قول أبي ذؤيب
وعليهما مسرودتـان قضاهمـــا
داود أو صنع السوابــغ تبــــع
وقول الآخر:
نقريهم لهذميـات نقــد بهــا
ما كان خطــا عليهـم كــل زراد
فمعنى وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ؛ أي اجعل المسامير والحلق في نسج الدروع في أقدار متناسبة متلائمة؛ لأن المسمار إن كان أكبر من الحلقة جدا كسرها، وإذا كان أصغر منها جدا لم يشدها كما ينبغي. فإذا كانت المسامير والحلق بأقدار متناسبة كانت الدروع مشدودة كما ينبغي، ترد وقع السلاح من السيوف والسهام.
فهذا مما يدل على أن الحرف الصناعية لا ينبغي التكاسل فيها، ولا عدم تعاطيها؛ لأن أول من تعاطاها الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، وكانت آثارها الكريمة ظاهرة في المجتمع؛ لأن الموجودين في الدنيا كانوا موجودين بفضل الله، ثم بسبب تلك الصناعات التي هي النجارة.
لأن من لم يكن في تلك السفينة المصنوعة عن طريق حرفة النجارة كلهم هلكوا وماتوا من ذلك الطوفان؛ كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ؛ أي الكفار الذين كذبوا نوحا أغرقناهم جميعا بذلك الطوفان؛ كما قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ .
ولذا قال: فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ .