من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
تفاسير سور من القرآن
66610 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون

...............................................................................


فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ .
ذكرهم نبي الله هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أمرهم أن يذكروا آلَاءَ اللَّهِ و آلَاءَ اللَّهِ نعمه المتواترة عليهم من الصحة والعافية وقوة الأبدان، وما يسر لهم من الأرزاق والرفاهية في الدنيا. والآلاء النعم، واحده إِلًى بكسر الهمزة وفتح اللام مقصورا كعنب وأعناب، ويقال فيه: إلو، وألو، وآلاء، وأكثرها في مفرد الآلاء إلى بكسر ففتح، والمراد به النعمة، والآلاء النعم.
فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ ؛ أي تذكروا نعم الله الكثيرة التي لا تحصى التي أنعمها عليكم ذكرا يحملكم على طاعة الله وتصديق رسوله وعبادته وحده، وترك عبادة الأصنام لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون والآية تدل على أن من تذكر نعم الله عليه ذكرا يحمله على شكر تلك النعمة، والخضوع لله، والإنابة إليه بطاعته أنه يفلح.
ولذا رتب على قوله: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ قال: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون فإنكم إن ذكرتم آلَاءَ اللَّهِ يرجى لكم الفلاح بناء على أن لعل على بابها من الترجي بحسب ما يظهر لهود عليه الصلاة والسلام، وعلى أنها حرف تعليل، والمعنى: اذكروا نعمة الله لأجل أن تفلحوا.
وقد بينا مرارا أن العرب تقول: أفلح الرجل يفلح فلاحا، والفلاح اسم المصدر، والقياس في مصدرها إفلاحا، لأن المقرر في فن التصريف أن كل ماض جاء على وزن أفعل فالقياس في مصدره أن يكون إفعالا ما لم يكن معتل العين، فإن كان معتل العين سقطت العين بالاعتلال، وعوضت منها التاء على الرواية الكثيرة الفصيحة كما هو معروف في علم العربية موضح في فن التصريف.
فالفلاح اسم مصدر. والفلاح في لغة العرب يطلق على معنيين كما بيناه مرارا، يطلق الفلاح في لغة العرب على الفوز بالمطلوب الأكبر، تقول العرب: أفلح فلان إذا فاز بأعظم مطلوب كان يطلبه فمن نال رغبته، وحصل مطلوبه تقول له العرب: أفلح.
وهو معنى معروف في كلام العرب، منه قول لبيد بن ربيعة
فاعقلـي إن كنـت لمــا تعقلــي
ولقـد أفلــح مــن كـان عقـلْ
يعني من أعطاه الله نور العقل فاز بالمطلوب الأكبر، لأن العقل يعقله عما لا ينبغي، ويميز به بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والحق والباطل.
ويطلق الفلاح في لغة العرب أيضا على البقاء السرمدي الدائم في النعيم، تقول العرب: أفلح فلان إذا كان باقيا في نعيم سرمدي، وهذا معروف في كلام العرب. ومنه قوله لبيد بن ربيعة أيضا في رجزه:
لـو أن حيــا مــدرك الفــلاح
لنالــه ملاعـــب الـرمـــاح
فقوله: مدرك الفلاح؛ أي مدرك البقاء في الدنيا بلا موت. ومنه في هذا المعنى قول كعب بن زهير أو الأضبط بن قريع في الشعر المشهور:
لكـل هـم من الهمـوم ســعة
والمسي والصبح لا فــلاح معــه
يعني أنه لا بقاء في الدنيا مع تخالف الإمساء والإصباح.
وبهذين المعنيين الذين هما البقاء السرمدي في النعيم، والفوز بالمطلوب الأكبر. بكل واحد منهما جاء تفسير حديث الأذان والإقامة، بقوله: حي على الفلاح، فقال بعض العلماء: حي على الفلاح هلم إلى الفوز بالمطلوب الأكبر، وهو الجنة ورضا الله؛ لأن أعظم أسباب ذلك الصلاة.
القول الثاني: حي على الفلاح هلم إلى البقاء السرمدي في جنات النعيم؛ لأن أكبر أسباب ذلك الصلاة كما هو معروف في تفسير حديث الأذان والإقامة، وهذا معنى قوله: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون هذه عادة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بعظم التذكير، وشدة النصح، ولطافة الأسلوب، والاجتهاد في هدى قومهم، ولكن الهدى بيد الله، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.