لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80567 مشاهدة
التوسل بالأولياء

...............................................................................


يقول هنا: فإن قال قائل من المشركين يعني: من القبوريين، يُسَمَّوْنَ مشركين؛ لأنهم جعلوا أصحاب القبور شركاء لله، فسماهم مشركين، يسمون قبوريين؛ لأنهم يعبدون القبور -أي- يَدْعُون الأموات المقبورين، ويصرفون لهم بعض أنواع العبادة، أو كثيرا منها.
فإذا قال واحد منهم: نحن نعرف أن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ؛ ولكنْ هؤلاء الصالحون مقربون عند الله، ونحن ندعوهم، وننذر لهم، وندخل عليهم، ونستغيث بهم، ونريد بذلك الوجاهة والشفاعة!؛ وإلا فنحن نفهم أن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ!.
هذه شبهة أولئك -شبهة القبوريين- ويضربون لله مثلا –ولله المثل الأعلى- فيقولون: إن الملوك في الدنيا لا يصل إليهم أطراف الناس إلا بوجاهة، بأن يدخل على ولد الملك، أو على أخيه، أو على صديقه، أو حاجبه، أو وزيره، فإذا دخل عليه قال له: إني أريد أن تشفع لي عند الملك، وتطلب منه أن يقضي حاجتي، ويفرج كربتي، فإني سجين، أو مَدِين! فذلك الواسطة –وزير، أو حاجب، أو كاتب- يتكلم عند الملك، أو عند الأمير، فيشفع لك هذا. يقولون: إذا كان كذلك.. فإننا نتوسل بهؤلاء الصالحين، نعرف بأنهم صالحون، وأولياء لله ومقربون عنده، يقبل شفاعتهم ويُشَفِّعُهُمْ، وأننا إذا طلبناهم طلبوا لنا ربنا، وشفعوا لنا عنده، ونفعونا، وحصلنا منهم على خير، وعلى منفعة عاجلة أو آجلة.
فنقول لهم: يا أولياء الله! اسألوا لنا ربكم، اسألوه أن يغيثنا، أو ينصرنا على من عادانا، اسألوه لنا أن يقضي ديوننا، أو يصلح آباءنا وأبناءنا، أو يرحمنا بواسع رحمته، أو ما أشبه ذلك! فإذا قلنا ذلك شفعوا لنا، ونفعونا!! يعني: شفعوا لنا عند الله، كما يشفع الوزير عند الملك! هذه شُبْهَتُهُمْ.
فأولا: ذكروا أنهم من الصالحين -يعني- هؤلاء الصالحون.
والجواب أن نقول: كذلك كان المشركون الأولون كالنصارى، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله فأخبر بأنهم إذا مات الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا صورته حتى يستشفعوا به، ويتوسلوا به، ويطلبوا منه أن يدعو لهم ربهم، وأن يغيثهم، يرزقهم، يشفي مرضاهم، يُغْنِي فَقْرَهُمْ، هذه شبهتهم. الأولون والنصارى كذلك يَتَقَرَّبُون بالصالحين.
وقد يَدْعُون الله تعالى، ثم يتوسلون إليه بِجَاهٍ أو نحوه؛ فيجعلون ذلك وسيلة، فيقولون: يا رب.. أسألك بجاه نَبِيِّك، أسألك بجاه وَلِيِّك فلان، أسألك بجاه العبد الصالح فلان كعبد القادر أو الرفاعي أو النقشبندي أو التيجاني أو نحو ذلك، فإن لهم جاها عند الله -في زعمهم!- فيقولون: نحن نتوسل بجاههم، ونستشفع بهم، ونعرف أنهم مُقَرَّبُون عند الله، كما في قول الله تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وصفهم بأنهم مُقَرَّبُون، وقال تعالى في وصف الملائكة: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ فكأنهم يقولون: بما أَنَّ الملائكة والصالحين مُقَرَّبُون عند الله، وأن لهم حُظْوَة ومكانة، وأن الله -تعالى- يتقبل منهم، وإذا دعوه أجابهم، فما الذي يمنع أننا نتوسل بهم، ونتوسط بهم، ونجعلهم وسائط بيننا وبين الله تعالى؟!! ندعوهم وهم يدعون الله، وننذر لهم -بمعنى- نتقرب إليهم بالنذور؛ حتى ينفعونا؛ وحتى يشفعوا لنا.
قد تقدم ما ذُكِرَ عن كثير من القبوريين، إذا مرض أحدهم قال: عَلَيَّ نذر للسيد فلان، إذا شفاني أن أذبح عنده شاة، أو أصب على قبره زيتا، أو دُهْنًا، أو ما أشبه ذلك! فيكون هذا من جملة النذر لغير الله الذي هو تعظيم للمنذور له. كذلك أيضا لا شك أنهم يتقربون إليهم بهذه النذور، فيكونون قد عَظَّمُوا هذا المخلوق بشيء لا يصلح إلا لله، فإن النذر تعظيم لمن نذروه له.
كذلك قولهم: ندخل عليهم. ليس معناه: أن ندخل عليهم في قبورهم؛ وإنما معناه نستجير بهم، كما أنَّ من استجار بإنسان يدخل عليه حِسًّا أو مَعْنًى.
تعرفون أن بعض الناس إذا هَدَّدَهُ أحد بالقتل؛ فإنه يستجير بأحد الأمراء، أو بأحد القادة ونحوهم، فيقول: إني دخلت على الله ثم عليك، أدخل عليك من فلان الذي يريد أن يقتلني، أو يريد أن يبطش بي، أو نحو ذلك. فَيُعَبِّرُ بالدخول عن الاستجارة، يدخل عليهم -يعني- يقول: أنا داخلٌ عليك يا وَلِيَّ الله.. أنا مستجير بك يا ولي الله.. أنا مستعيذ بك، أنا مستنصر بك، أعذني! انصرني يا ولي الله! نجني من هذا الخطر الذي أَحْدَقَ بي.. من هذا العدو الذي يكيد بي.. يُسَمَّى هذا دخولا واستجارة واستغاثة، فيقولون: إننا نفعل ذلك مع هؤلاء الأموات، ونحن نعرف أن لهم وجاهةً عند الله -تعالى- وأنه يَقْبَلُ شفاعتهم.
ما يجوز مثل هذا؛ ولو كان لهم وجاهة، صحيح أن لهم وجاهة كما في قول الله تعالى عن موسى في آخر سورة الأحزاب: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا أي: له وجاهة عند الله، وقال تعالى عن عيسى في سورة آل عمران: وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وإذا كان وجيها، وله وجاهة؛ فإنه لا يجوز أن يُدْعَى، ولا أن يُتَوَسَّل به، ولا أن يُتَوَسَّط به؛ ولو كان له وجاهة؛ ولو كان مقبول الشفاعة.
نسمع -وربما تسمعون كثيرا- من هؤلاء الذين عندهم نوع من هذه الشركيات إذا دعا الله يقول: يا رب.. ارزقني بجاه النبي، بجاه نبيك انصرني، بجاه نبيك أعطني. فإذا نصحناهم قالوا: أنت تَتَنَقَّصُ نبي الله، نبي الله له جاه، أليس موسى عند الله وجيها؟! أليس عيسى عند الله وجيها؟! نبينا أَوْلَى بأن يكون له وجاهة عند الله. يروون -أيضا- حديثا موضوعا مكذوبا، لفظه: إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم هذا مكذوب على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أصل له، ولا يُعْرَفُ في شيء من دواوين المسلمين أهلِ التحقيق؛ فهو إذن.. من وضع الكذَّابين الذين يَكْذِبُون لنصر مذاهبهم ومعتقداتهم.
نحن نعرف أن له -صلى الله عليه وسلم- وجاهةً عند الله؛ ولكن لا نطلب منه بعد موته، ولا نتوسل به، ولا نستشفع به؛ بل نطلب من الله -تعالى- مباشرة، وندعوه وحده، فلا نقيس ربنا -تعالى- بالمخلوقين، لا نقيسه بملوك الدنيا؛ فإن ملوك الدنيا بَشَرٌ يخفى عليهم حالة أكثر الناس، ولا يعرفون الصادق من الكاذب، ولا الصحيح من السقيم؛ بل هم بشر يأتي إليهم النسيان والجهل، يحتاجون إلى مَنْ يُعَرِّفُهُمْ؛ فلذلك يقبلون شفاعة من يثقون به من المقربين حولهم. فهذا ونحوه دليل على أن الأنبياء –ولو كان لهم وجاهة– لا يجوز أن يُتَوَسَّلَ بوجاهتهم.