إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
42799 مشاهدة print word pdf
line-top
باب مثل المسلم كمثل النخلة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: مثل المسلم كمثل النخلة.
عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ شِبْهِ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا .


في هذا الحديث ذكر ابن عمر أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار فأكل منه، ثم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن وفي هذا الحديث أنه قال: إنها مثل للمؤمن في أنها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فابن عمر وقع في نفسه أنها النخلة، والحاضرون أخذوا يذكرون شجر البوادي شجرة السدر أو شجرة السرح أو كذا وكذا، فلما لم يعرفوها أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النخلة. أخبر ابن عمر أباه بما وقع في نفسه، وقال: إني استحييت أن أتكلم لما رأيت أبا بكر عمر لا يتكلمان، وعمر يشجعه قال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا؛ يحب أن يبرز ابنه، وأن يظهر له فهم وإدراك.
ففي هذا الحديث أنه شبه المؤمن بشجرة النخل، ولعل وجه الشبه كثرة المنافع فيها؛ فإن نفعها كثير؛ فإن ثمرها غذاء وقوت يقتات به، وهو من أنفع الأغذية تمرا ورطبا وبلحا، ومنه أيضا يؤخذ دبس ونواها .. أو تعلف به الدواب، وكذلك خوصها يعمل منه الحصر والفرش والزماميل والأواني.
وكذلك جريدها يصلح عصيا وسياطا، ويجعل في سقف المباني، وكذلك أيضا يوقد به، ويصلح وقودا وكذلك ليفها تعمل منه الحبال ونحوها؛ فمنافعه كثيرة.
فكذلك المؤمن منافعه كثيرة؛ يعني أنه عبادات بقلبه، عبادات بلسانه، عبادات بيديه وبرجليه وبسمعه وببصره عبادات بماله يعني أن هذه كلها منافع، كذلك أيضا ينفع المؤمنين إخوته، ينفعهم بنصيحته ينفعهم بيديه، ينفعهم بلسانه ينفعهم بإشارته وببدنه، فمنافعه كثيرة كما أن منافع النخلة كثيرة، فهذا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ضرب الأمثلة حتى تقرب الأشياء إلى الأفهام. نعم.

line-bottom