إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
36154 مشاهدة
بيان أن من قال لا إله إلا الله أصبح معصوم الدم والمال

.. صفوان بن محرز أَنّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ رضي الله عنه بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلاَمَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزّبَيْرِ فَقَالَ: اجْمَعْ لِي نَفَرا مِنْ إخوانك حَتّى أُحَدّثَهُمْ. فَبَعَثَ رَسُولاً إِلَيْهِمْ، فَلَمّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ. فقَالَ: تَحَدّثُوا بِمَا كُنْتُم تَحَدّثُونَ بِهِ. حَتّى دَارَ الْحَدِيثُ.
فَلَمّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأَسِهِ. فَقَالَ: إِنّي أَتَيْتُكُمْ وَلاَ أُرِيْدُ أَنْ أخبركم إلا عَنْ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم، إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ. وَإِنّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ. قَالَ: وَكُنّا نْحَدّثُ أَنّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمّا رَفَعَ عَلَيْهِ السّيْفَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، فَقَتَلَهُ. فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ. حَتّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ. فَدَعَاهُ. فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتلَ فُلاَنَا وَفُلاَنا. وَسَمّى لَهُ نَفَرا. وَإِنّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ. فَلَمّا رَأَى السّيْفَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: فَجَعَلَ لاَ يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: فكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ .


هذه هي القصة التي قبلها قصة أسامة ذكر هذا الصحابي أنه جلس مع هؤلاء المسلمين وهم يتكلمون في الشرك الأصغر وفي بعض المكفرات ونحوها. فلما وصلت إليه النوبة قال: لا أحدثكم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر هذه القصة: أنه صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، ولما بعث ذلك الجيش لقوا قوما من المشركين، وكان في المشركين رجل شجاع أكثر من القتل في المسلمين، كلما طارد رجلا من المسلمين قتله، قتل رجالا من المسلمين، ثم إن أحد المسلمين علا عليه وتغلب عليه. يقولون: إنه أسامة فلما رفع السيف، ورأى بريق السيف قال: لا إله إلا الله. ولكنه قتله، ولم يتركه لأجل هذه الكلمة.
بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ ينكر عليه يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة اعتذر وقال: إنه أوجع في المسلمين، وإنه قتل فلانا وقتل فلانا، وعدد رجالا ممن قتلهم. وإنه ما قال: لا إله إلا الله إلا خوفا من السلاح؛ يعني أراد بذلك أن يسلم، وإلا فإنه لم يقلها عن قلب؛ إنما قالها تقية. لم يقبل ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستغفر له، ولم يزده على قول: كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة .
وبكل حال هذا وما أشبهه في حق من قوتلوا لأجل لا إله إلا الله. الذين كانوا ينكرون لا إله إلا الله ويجحدون لا إله إلا الله؛ كما قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ .
فهم يقولون: إن آلهتنا مع الله لها حق في الألوهية؛ فيسمونها آلهة. فأما في هذه الأزمنة، فإن هناك من يقول: لا إله إلا الله بلسانه ويخالفها بقلبه، فكل من دعا مع الله أحدا فقد أبطل لا إله إلا الله، وقد أفسد معناها، وجعله إلها ولو لم يسمه، ولو سماه مثلا سيدا أو سماه وليا أو سماه شفيعا، وكذلك لا يسمي فعله شركا بل يسميه توسلا أو تقربا أو توسطا أو استشفاعا أو تبركا، فكل ذلك ينافي معنى لا إله إلا الله، ولا تنفعه لا إله إلا الله حتى يعمل بها.