الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
45432 مشاهدة print word pdf
line-top
باب من الإيمان تغير المنكر باليد واللسان والقلب

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب من الإيمان تغير المنكر باليد واللسان والقلب.
عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل قال أبو رافع رحمه الله: فحدثت عبد الله بن عمر ؛ فأنكره علي، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعوده، فانطلقت معه، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث، فحدثنيه كما حدثت ابن عمر .


الشاهد من هذا الحديث قوله في الحديث الأول: وذلك أضعف الإيمان وقوله في الحديث الثاني: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل .
وهو دليل على أن هذه الخصال من الإيمان، وأنها علامة على الإيمان؛ علامة على قوته، وعلامة على ضعفه ..
في هذه القصة أن مروان بن الحكم كان أميرا على المدينة في خلافة معاوية وكان كل الذين قبله إذا صلوا العيد بدءوا بالصلاة، ثم بعدها أتوا بخطبة بعد الصلاة، ثم إن مروان كانت خطبته ليس فيها شيء من التركيز، وليس فيها شيء من النصح ومن الوعظ أو نحو ذلك؛ فكان الناس إذا صلوا الصلاة انصرفوا، ولم يبق يستمع إلى خطبته إلا القليل؛ فاحتال في أن يقدم الخطبة على الصلاة حتى يجلسوا يستمعوا، وحتى لا يتركوا استماع الخطبة، ورأى هذا مبررا لذلك.
فلما أراد أن يفعل ذلك قام إليه رجل من المسلمين، وأعلن وقال له: إن الخطبة بعد الصلاة. أي قدم الصلاة، فلم يقبل منه مروان وقال: قد ترك ما هنالك؛ أي تركنا تقديم الصلاة، ورأينا تقديم الخطبة، كان أبو سعيد حاضرا، وكأنه قد كان أنكر عليه من قبل ولكن إنكارا سريا، ولكن مروان لم يتقبل، ورأى أن تقديم الخطبة سبب في الاستفادة منها. لما جهر هذا الرجل وقال: قدموا الصلاة قبل الخطبة، قال أبو سعيد أن هذا قد قضى ما عليه؛ أي قد أنكر بلسانه، وبرئ من الكتمان، وكأن الباقين أنكروا بقلوبهم، أو أنكروا بألسنتهم بأماكن أخرى.
فأبو سعيد استدل بهذا الحديث المشهور: من رأى منكم منكرا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
المنكر يدخل فيه المعاصي، وتدخل فيه البدع والمحدثات، ومنها هذه البدعة التي هي تقديم الخطبة في العيد على الصلاة قياسا على الجمعة، فهذا يعتبر منكرا، أنكره هذا الرجل بلسانه؛ فبرئ من الكتمان، ويدخل في المنكر جميع المنكرات أي أن كل من رأى منكم منكرا فعليه أن يغيره، فيبدأ بتغييره باليد إن كان يقدر على ذلك، فإذا كان يقدر مثلا على تفريق أهل الأغاني يفرقهم ويزيل ما هم عليه فإنه يفعل، وإذا كان يقدر على تكسير آلات اللهو؛ على تكسير الطبول، وعلى تكسير أشرطة الغناء، وأفلام الغناء ونحوها يحطمها، أو على تكسير الآلات التي تستعمل لذلك كالعود والطنبور وما أشبهها، أو على نثر أو شق أوعية الخمور التي توعى فيها هذه الخمور؛ لأن ذلك من المنكر، أو كذلك على ضرب أهل المعاصي كالنساء المتبرجات مثلا إلزامهن بالتستر، وكذلك على إتلاف الدخان وما أشبهه وإحراقه، وهدم المعابد التي تعبد من دون الله تعالى، هدم القباب التي على القبور وما أشبه ذلك.
فهذه كلها من المنكرات، فمن قدر على إنكارها بيده فعليه أن ينكرها بيده، فإذا لم يقدر وكان أهل المنكر أكثر منه، وأقوى منه، ولهم منعة ولهم قوة ولهم سلطة، وعندهم من الإمكانيات ما ليس عنده فانتقل إلى الإنكار باللسان، فإما أن يصرح بأنهم على منكر، وإما أن ينصحهم ويحذرهم من البقاء على هذه المنكرات أو ما أشبه ذلك؛ ينكر ويقول: هذا ذنب، هذا معصية، هذا من المنكرات هذا حرام هذا الدخان حرام، حلق اللحية حرام، الإسبال حرام، التأخر عن الصلاة وتفويت الجماعة حرام عليكم لا تفعلوا ذلك، حرام عليكم سماع الأغاني، حرام عيكم النظر إلى الصور الفاتنة وما أشبه ذلك، فإذا لم يقدر إلا باللسان برئ.
فإذا خشي إذا تكلم أن يفتن، وأن يضرب وأن يؤذى، وأن يسخر به وأن يتفاقم المنكر، وأن يوصلوا إليه أذى في بدنه، وأن يعظموا الأمر ويصفوه بأكثر مما فعل، كما هو الواقع من كثير من العصاة؛ أن من أنكر عليهم بكلمة ظلموه وقالوا له: إنه متسرع وإنه وإنه، وألصقوا به التهم ورموه بإحدى هذه الفظائع، فهو يخشى على نفسه، ففي هذه الحالة يقتصر على الإنكار بقلبه.
وإذا أنكر بقبله فإنه ينفر منهم فلا يجالسهم، ولا يمازحهم ولا يضحك إليهم؛ لأنه بذلك يعتبر رضا على منكرهم، وهذا يسبب إذا جالسهم ووانسهم وآكلهم وشاربهم ومدحهم واندمج معهم اعتقد أنه منهم، وأنه مقر لهم، لكن إذا فعل ذلك ليأخذهم بالتدريج، ولينصحهم شيئا فشيئا؛ فإن ذلك جائز بقدر الحاجة إلى أن ييأس منهم.
كان بعض المشائخ يأتي إلى العصاة وهم على معصية، على خمور مثلا، على شطرنج، أو على عود يلعبون به، فيجلس معهم شيئا، ثم ينقلهم فيقول: ننتقل بعد هذا إلى سماع القرآن، فيسمعهم آيات من القرآن، ثم ننتقل بعد ذلك إلى قراءة قصة مريحة أو قصة مفيدة، ثم يقول بعد ذلك ننتقل إلى سماع أحاديث نبوية، فيأخذهم بالتدريج شيئا فشيئا إلى أن يألفوا القرآن، وإلى أن ينفروا من الملاهي، ومن الألعاب ونحوها، فإذا رأى أن ذلك مفيدا، فلا يلام إذا جلس معهم ليؤثر فيهم بجلوسه، وليخفف الشر شيئا فشيئا.
والحاصل أن هذا دليل على أن إنكار المنكرات على هذا الترتيب، وقد يقال: إنك إذا أنكرت باليد ترتب على ذلك ضرر وتغريم وإرهاق لك، فكيف تفعل؟ يمكن أن يقال: إنك قبل أن تتلف الآلات ونحوها تبدأ بالنصح؛ فتنصحهم وتخبرهم بأن هذا منكر، وبأنه محرم، وبأنكم مسلمون وتفتخرون بالإسلام، وتعتزون به، وتعرفون أن الحرام يعذب الله عليه، وأن التهاون به من التهاون بشرع الله وبدين الله، وأنكم تعتبرون عصاة مخالفين لشرع الله ولدينه، وأنتم تعترفون بأنكم عبيد الله، وأنكم ترضون أن تكونوا من أوليائه الذين يثيبهم ويرضون لرضاه، ويسخطون لسخطه، فلعلهم قبل أن تتلف هذه الآلات أن يتلفوها هم، إذا قنعوا؛ أقنعتهم بهذه النصيحة، فالعادة أنهم يتلفون ذلك كما رأينا منهم؛ أنهم إذا نصحهم إنسان وبين لهم مثلا؛ أتلفوا السجائر التي معهم، وتعهدوا أنهم لا يعودون إلى ذلك، وهكذا بقية الأفعال الخيرية.
وكذلك أيضا مر بنا هذا الحديث الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي بعثه الله إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بقوله ويقتدون بسنته الحواريون أخصاؤه الذين يركن إليهم، والذين يتقبلون منه، منهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله، أعد بعضهم منهم: أعمامه عمه حمزة وعلي وعمه العباس وكذلك أقاربه كالزبير وأبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن مظعون وعثمان بن عفان ونحوهم.
وصرح النبي صلى الله عليه وسلم بالزبير بقوله: لكل نبي حواري وحواري الزبير ؛ أي بمنزلة الحواريين الذين ذكرهم الله تعالى مع عيسى .
يأخذون بقوله صحابة النبي كلهم أخذوا بقوله واستنوا بسنته؛ فيعتبرون من حوارييه، وأصحابه الذين يستنون بسنته، والذين يتقبلون بشريعته الذين يحملون دينه ويعلمونه من بعدهم من أولادهم وأحفادهم وتلاميذهم.
قال بعد ذلك: ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف الخلوف جمع خلف، والخلف هو الذي يخلف .. خلفا سيئا. قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا .
تخلف من بعد أولئك الصالحين خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ يقولون ولكنهم لا يمتثلون، يخالف قولهم فعلهم، والله تعالى يمقت على ذلك قال تعالى: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ فهذه من خصالهم السيئة.
وذلك لأن المؤمن كما يكون قدوة في قوله يكون قدوة في فعله، ولا يجوز له أن يقول ولا يفعل. يقول بعضهم:
يا أيهـا الرجـل المعلم غـيره
هلا لنفسك كـان ذا التعليــم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيمــا يصـح بـه وأنـت ســقيم

وغير تقي يأمـر النـاس بالتقـى
طبيـب يـداوي النـاس وهو سقيـم

ابـدأ بنفسك فانههـا عـن غيهـا
فــإذا انتهـت عنـه فأنـت حكيـم
فهنـاك يقبـل ما تقـول ويقتفـى
بـالقــول منـك وينفــع التعليـم
فالذي يقول ولا يفعل يقتدي الناس بفعله أكثر مما يقتدون بقوله، في كلام لابن القيم قال: علماء السوء جلسوا على النار يدعون إليها بأفعالهم، ويدعون إلى الجنة بأقوالهم، فإذا قالت أقوالهم: هلموا قالت أفعالهم: لا تفعلوا لا تسمعوا لا تقبلوا؛ فلو كان ما يقولون حقا لكانوا أول الفاعلين له.
جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فقال: .. ألا تفضحك ثلاث آيات فافعل، الآية الأولى قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ هل عملت بهذا؟ فقال: لا. الآية الثانية: قول الله تعالى عن العبد الصالح شعيب وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ هل حققت هذه الآية؟ فقال: لا. الآية الثالثة: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ؛ فهذه آيات تخزي الذين يقولون ولكنهم لا يمتثلون.
ورد في ذلك حديث في الصحيح عن أسامة بن زيد أو عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيها؛ فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه؛ فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر فينا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه .
وكذلك يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون يفعلون أشياء ما أمرهم الله بها، ولا أمرهم بها رسوله دل على أنه يقع منهم معاصي.
يقول في هذا الحديث: فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل هكذا رتب مراتب الجهاد إلى هذه المراتب.
الجهاد باليد هو الإنكار عليهم، والتغيير عليهم إما بحبسهم، أو بضربهم، أو بإبعادهم عن أعمالهم التي يضلون بها الناس، قد يكونون أيضا لهم ولاية، ولهم سلطة ولهم تمكن، فجهادهم إذا كان السلطان فوق الذي فوقهم جاهدهم بأن أبعدهم عن هذه الأعمال، وولى غيرهم ممن هو كفء، وممن هو من أهل الخير وأهل الصلاح.
جهادهم باللسان؛ التصريح بعيبهم والإنكار عليهم؛ يعني ذكر الأدلة التي تدل على أنهم عملوا منكرا، وأنهم فعلوا ما يلامون عليه، وأن يصرح لهم ويقول: إنكم على ضلال، إنكم خاطئون، إنكم مخطئون، تقولون ما لا تفعلون، تفعلون ما لا تؤمرون، تفعلون المنكرات التي أمر الله بتركها، تتركون الطاعات التي أمر الله بفعلها، تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم.
فإذا أنكر عليهم بلسانه فهو مؤمن؛ من أنكر وجاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ بمعنى أنه مقتهم وأبغضهم وحقر من شأنهم، وابتعد عنهم، وحذر إخوانه من أفعالهم، وأنكر عليهم بقلبه وقالبه، فإذا فعل ذلك فإنه مؤمن، وإن كان ذلك أضعف الإيمان كما تقدم.
ثم يقول: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ؛ حبة الخردل الشجر المعروف التي حبته أقل وأصغر من حبة الدخن أي قلبه خال من الإيمان والعياذ بالله، وإذا خلي من الإيمان حل به الكفر.
أسئـلة
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
س: فضيلة الشيخ؛ يوجد أثناء أو بعد إقامة الصلاة بعض الباعة يقومون بالبيع والشراء .. عن الصلاة، فما توجيه سماحتكم في هذا؟
هذا من المنكر، واجب علينا جميعا أن ننكره، سمعنا قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده فواجب على من مر بهم أن يفرق بضائعهم وسيما إذا استمروا في البيع قرب الإقامة أو بعد الإقامة، ولو أتلف بضائعهم لم يكن عليه بأس، ولو فرقها فلا بأس عليه ولا ضمان؛ لأنهم على معصية.
لا شك أن هذا من المنكر من رأى منكم منكرا فلغيره بيده كونهم يستمرون في البيع والناس في الصلاة إما أنهم كفار؛ يعني ليسوا بمسلمين؛ يعني من هندوس مثلا أو بوذيين أو نصارى يؤخذ عليهم العهد ألا يشتغلوا في أوقات الصلاة حتى في شغل البناء مثلا أو نحوه، وإما أنهم مسلمون ولكن لا يعملون بتعاليم الإسلام، فواجب أن يعلموا الإسلام، وأن يلزموا بالعمل به، وإذا استمروا على ذلك تكتب أسماؤهم ويرفع بأمرهم إلى المسؤولين من الهيئات ونحوهم حتى يجازوهم، ولو بمصادرة بضائعهم، أو بسجنهم أو بجلدهم حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.
س: فضيلة الشيخ حفظكم الله: أريد أن عرف رأي الدين فيما يسمى بالدش خصوصا وأنه قد انتشر وكثر؟
لا شك أن هذه من الأجهزة الجديدة التي تجددت في هذه الأزمنة بواسطة هذه القنوات الفضائية التي تبث ما قد يبث فيها، ولا شك أن هذه القنوات التي تتلقى بواسطة هذه الدشوش، أو هذه التراكيب التي كالصحون على السطوح ونحوها.
لا شك أنها لا تبث إلا الشر، والذين يبثونها ويرسلونها ما قصدوا نفعنا، ولا قصدوا فائدتنا؛ ما رأيناهم يبثون كيف تتعلم الصناعة؟ ليس فيها تعليم صناعة ولو صناعة إبرة، أو صناعة حذاء أو صناعة ساعة أو نحو ذلك ما يبثون ذلك؛ لئلا نتعلم بواسطتها فننافسهم في صناعاتهم ونضايقهم، ولكنهم يبثون صورا خليعة، يبثون هذه الصور التي تفسد الأخلاق، والتي تدعو إلى العهر، والتي تدعو إلى الفساد.
فننصح بعدم اقتنائ هذه الأجهزة والابتعاد عنها، ولو كانوا يقولون إن فيها فوائد أو ما أشبه ذلك ففائدتها قليلة أو معدومة.
س: فضيلة الشيخ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نطلب منكم توجيه نصيحة للنساء ؟
النساء كالرجال؛ كل من الرجال والنساء عليهم جميعا أن يتعلموا ويتفقهوا في دين الله تعالى ما يكونون به من أهل الاستقامة وأهل الخير، كذلك أيضا معلوم أن النساء في هذه الأزمنة قد افتتن بكثرة من يتوافد من نساء الغرب؛ فوقعن في تقليد النساء الغربيات والتشبه بهن.
فننصح الأخت المسلمة أن تربأ بنفسها، وأن تكون قدوتها أمها وجدتها وجداتها في اللباس وفي الاحتشام وفي الحياء وفي التستر وفي القرار في البيوت، وفي عدم البروز للرجال، وعدم مخالطة الرجال، وإذا لبست لبست ثوبا واسعا ليس ثوبا ضيقا؛ الواسع الذي تكون به متسترة ساترة ما يبدو منها أو نحو ذلك.
وإذا برزت وخرجت من بيتها لحاجة خرجت محتشمة متبذلة حتى لا تطمع فيها الأعين، ولا تمتد إليها رغبات الفسقة وما أشبههم، وأن تكون وظيفتها تربية أولادها تربية صالحة، والحفاظ على بيتها؛ فهي راعية كما قال صلى الله عليه وسلم: المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها .
س: فضيلة الشيخ: تحيط بي فتن من الشهوات ومن النساء وغيرها من المغريات، وأصبر أحيانا، وأقع في المعاصي والكبائر أحيانا، فماذا أفعل -جزاكم الله خيرا- خاصة أني لا أستطيع أن أبعد من هذا الوسط؟
هذه الفتن أو هذه المعصية تحتمل تفسيرات؛ يمكن أنك تقصد بذلك معصية الزنى أو اللواط أو الاستمناء باليد، وتدعي أنك لا تصبر عن هذه المعصية.
نقول: عليك أن تحصن نفسك بالنكاح الحلال؛ فإن ذلك هو الوسيلة التي يحصن بها الإنسان نفسه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ثم نقول: عليك أن تبتعد عن الأشياء التي تثير الشهوات، فلا تدخل المجتمعات التي فيها نساء في الأسواق أو على الشواطئ، أو ما أشبهها، ابتعد عن النظر إليهن حتى لا يكون هناك فتنة.
كذلك لا تنظر إلى الأفلام والصور التي تعرض في الشاشات، ولا الصور التي تكون أيضا في الصحف وفي المجلات؛ فإنها من المثيرات التي تثير الشهوات، وتدفع إليها وتفضي بها، ابتعد عنها.
كذلك أيضا ننصحك بأن تفطم نفسك عن مجالسة، أو عن الجلوس عند آلات الغناء وآلات الطرب؛ فإنها أيضا مما تدفعك إلى الشهوة ومما تثيرها وتوقع في اقتراف المحرمات وما أشبهها.
كذلك ننصحك بالتقلل من الأكل، وبالصيام الذي يكسر حدة الشهوة؛ والصائم الذي يقلل من الأكل يكون ذلك سببا في كسر حدة الشهوة، وبكل حال هذه إذا كانت المعاصي هي التي لا يتمكن كثير من الشباب عن رد أنفسهم عنها.
أما بالنسبة إلى الخمر مثلا أو الدخان أو سماع الغناء فتركها ليس فيه صعوبة، ننصحك بأن تتركها وتبتعد عن أهلها، وتجالس أهل الخير الذين يعينونك على الخير، ويزينون لك التوبة النصوحة.
س: فضيلة الشيخ حفظكم الله. بعد غد سيكون آخر درس لك في هذه المدينة، وسوف تغادر هذه المدينة وتتركها، ويمر علينا .. ولكن أسأل الله أن يحفظك ويسددك، فبماذا توصي أبناءك في هذه المدينة وجزاكم الله خيرا؟
سوف ندرس أيضا هذا الدرس في الليلة القابلة، كذلك أيضا درس الصباح غدا، ودرس الصباح في يوم الخميس أي بقي لنا عدة دروس إن شاء الله تعالى، فنتواصى مع إخواننا في الحرص على طلب العلم والاستزادة منه، والحرص على قراءة القرآن وتدبره، والحرص على ذكر الله ودعائه، والاستغفار والتوبة، والحرص على الاستكثار من الأعمال الصالحة، والتوبة النصوحة من السيئات ومن والمخالفات، والحرص على جلساء أهل الخير؛ على مجالسة الصالحين والاقتداء بهم، وهجر من العصاة والمعاصي، والبعد عن العصاة وعن مجالستهم، واختيار الجلساء الصالحين. فذلك مما يساعد الإنسان على الأعمال الصالحة إن شاء الله.
س: فضيلة الشيخ أحسن الله عزاءكم في وفاة عالم جليل فقيه عطية بن سالم رحمه الله تعالى، وسؤالي هو: فضيلة الشيخ سمعنا أنكم ستكتبون شرحا لكتاب .. هل هذا صحيح؟
.. مصيبة الجميع في المشايخ الذين فقدوا في هذا العام وأشهرهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وكذلك الشيخ مناع القطان ثم الشيخ عطية بن سالم رحمهم الله تعالى وعفا عنهم، وحشرنا وإياهم في زمرة الصالحين.
أما الشرح ما شرحته شرحا يعني كتابيا، ولكني شرحته في درس مثل هذه الدروس، وسجل إلا أنه بعض المسجلين .. أوله كتاب الطهارة، ويوجد في أشرطة، وقد فرغ منه إلى كتاب الحج، أو قريب منه، ويمكن أن بعض الإخوة يسعون في تفريغه، ويحتاج إلى تصحيح، وإلى إعادة نظر فيه، وقد يتأخر عدة سنوات. فالكتاب واضح المعاني، والشروح التي يمكن أن يستفاد منها كثيرة في كتب الفقه وفي كتب الحديث.
س: فضيلة الشيخ: هل الإنكار باليد هل هو خاص .. بأهل الحسبة؟
ليس خاصا، بل كل من عنده قدرة فإنه ينكر بيده إذا لم يترتب على ذلك مفسدة. أما إذا ترتب على ذلك أنه يسجن، وأنه يلصق به تهمه، أنه يحمل ما يعجز عنه أو يرمى بكلام أو بأفعال ما فعلها، أو يغرم شيئا أكثر مما أتلفه أو ما أشبه ذلك، فيقتصر على الإنكار باللسان أو بالقلب.
س: فضيلة الشيخ: بعض الناس تجدهم يحافظون على الصلوات، ولكن لا يمنعهم هذا من الوقوع في المعاصي .. النساء سواء في الشاشة أو في الشارع أو سماع الأغاني، فهل هذا دليل على ضعف الإيمان؟ أرجو نصيحتكم.
لا شك أن الله تعالى ذكر فائدة الصلاة: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فهذا الذي يصلي ولكن ما استفاد من صلاته، يتتبع النساء مثلا، أو يعاكس أو يتصل اتصالات هاتفية ببعض النساء ذوات المحارم، أو يهم بفعل فاحشة أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا ضعيف الإيمان، وأن صلاته ضعيفة، ما صلى صلاة كاملة تنهاه عن الفحشاء والمنكر. عليه التوبة والاستغفار، وعليه الحرص على الأعمال الصالحة، وعليه البعد عن هذه المحرمات.
س: فضيلة الشيخ حفظكم الله ورعاكم: إذا ترتب على إزالة المنكر فتنة ومنكر آخر كأن يكون الشخص سيئ الخلق ولا يستجيب للنصيحة، فما هي الطريقة الأمثل للتعامل مع هذه الفئة؟
إذا تكلمت معه بلين وبكلام لطيف، فإنه لا بد وأن يستجيب حتى ولو كان سيئ الخلق.
إما أن يرد عليك بقوله: جزيت خيرا، أو بلغت أو ما أشبه ذلك، أو يقول: أنا أعرف منك، أو ما يخفى علي مثل ذلك، أو يقول: أنا مبتلى بهذا لا أقدر على تركه، أو ما أشبه ذلك، فتكون قد سلمت من الكتمان، وقد قامت الحجة عليه، حتى ولو كان ..
س: فضيلة الشيخ. أليس في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه دليل على أن المنكر العلني لا بد من تغييره تغييرا علنيا سواء كان إنكاره وتغييره باللسان أو باليد. جزاكم الله خيرا؟
لا شك أن المنكر العلني يجب إنكاره على من رآه؛ لقوله: من رأى منكم منكرا ولا شك أنه إذا أعلن أمام الجماهير كان على الجميع أن يسعوا في إنكاره، ولكن إذا كان أهل المنكر أكثر وأقوى لن يستطيع المنكرون أن يقاوموهم، وكذلك إذا كان لهم شبهات لم يستطع عامة الناس أن يقنعوهم، ولا يقنعهم إلا طلبة العلم، والذين عندهم حجة قوية، وكذلك أيضا إذا كان له سلطة وقوة يخاف بطشهم، ويخاف أذاهم، فلكل حال ما يناسبه.
وفق الله الجميع لكل خير، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد .

line-bottom