شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
عن أبي هريرة اسم> رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رسم> لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن متن_ح> رسم> وكان أبو هريرة اسم> رضي الله تعالى عنه يلحق معهن: رسم> ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن متن_ح> رسم> وفي حديث همام اسم> رسم> إذ يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن متن_ح> رسم> وزاد: رسم> ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن، فإياكم إياكم! متن_ح> رسم> .
كما أن الطاعات من الإيمان، فإن المعاصي تنقِّص الإيمان، وقد تبطل أجره؛ فذكر في هذا الحديث خمسا من المعاصي من كبائر الذنوب، ونفى الإيمان عن صاحبها؛ وما ذاك إلا أنها من كبار الفواحش التي رتب الله تعالى عليها العقوبات؛ رتب عليها كثيرا من العقوبات، فالزنا من أكبر الفواحش قال الله تعالى: رسم> وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا قرآن> رسم> هكذا أخبر: إنه فاحشة؛ وما ذاك إلا لما يترتب عليه من الآثار السيئة، فإن الزاني يفجر بامرأة أجنبية، يفسدها على زوجها، يفسدها على أهلها. كذلك أيضا قد تعلق منه بحمل؛ فيكون ذلك الحمل يدخل على من ليس منهم فيكون محرما لمن ليسوا من أهله؛ يدخل على من ليسوا محارم له؛ أجنبي منهم. أدخله هذا الزاني على هؤلاء القوم، ولا شك أن هذا من أكبر المفاسد، ولما كان كذلك رتب الله تعالى عليه العقوبة، فجعل الزاني إذا كان بكرا لم يسبق أن تزوج عقوبته أن يجلد مائة جلدة، ويشدد عليه الجلد، قال تعالى: رسم> فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قرآن> رسم> أي: لا ترحموه بل شددوا عليه رسم> وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ قرآن> رسم> أي: يحضر المؤمنون يعني: يكون رجمه أمام جمهور الناس، ثم جاءت السنة بتغريبه؛ إما أن يسجن سنة وإما أن يبعد عن بلاده لبلاد بعيدة، يبتعد عن أهله وعن مألوفاته سنة، هذا إذا لم يكن قد تزوج. أما إذا كان قد تزوج فعقوبته أشد وهي أنه يرجم بالحجارة إلى أن يموت؛ تقيد يداه؛ تغل يداه وتربط رجلاه، ويحفر له ويوثق حتى لا يهرب ثم يرجم بالحجارة إلى أن يموت؛ هذه عقوبته إذا زنا.
ولا شك أن هذا دليل على عظم هذا الذنب؛ عظمه النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن متن_ح> رسم> أي إن إيمانه ضعيف، لو كان إيمانه قويا لردعه وحجزه وحماه عن هذا الذنب الكبير، ولكن ما كان معه إيمان أو كان معه إيمان كلا شيء كأنه ليس الإيمان فنفى عنه الإيمان الصحيح. من العلماء من يقول: إنه نفى عنه كمال الإيمان أي: رسم> لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن متن_ح> رسم> أي: وهو مؤمن كامل الإيمان؛ بل معه إيمان ناقص لم يكن إيمانه كاملا، ومنهم من يقول: إن الإيمان ينتزع منه؛ الإيمان الذي في قلبه ينتزع منه عند الزنا، وكذلك أيضا ما يلحق بالزنا كفاحشة قوم لوط، وما أشبهها ينتزع منه ويكون كالظُّلَّةِ عليه فإن تاب وندم بعد ذلك رجع إليه إيمانه يعني: ما في قلبه ولا يرجع سالما؛ هذا ذنب الزنا.
كذلك: رسم> ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن متن_ح> رسم> السارق هو الذي يأخذ مال غيره على وجه الخفية من حرزه؛ جعل الله فيه عقوبة أنها تقطع يده: رسم> وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا قرآن> رسم> وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده متن_ح> رسم> البيضة هي: الترس الذي يلبس على الرأس؛ يعني مجن يلبس على الرأس في الحرب من حديد؛ يعني قيمتها يسيرة ومع ذلك تقطع فيها اليد التي هي فيها نصف الدية، واشترط العلماء لقطعها شروطا:
الشرط الأول: أن يكون المسروق نصابا؛ ما قيمته ثلاثة دراهم من الفضة؛ يعني الدراهم قطع يسيرة من الفضة أو ربع دينار.
الشرط الثاني: أن يأخذه من حرزه، أما إذا كان في غير حرز كالذي يلقى في الطريق أو ما أشبه ذلك فإنه لا قطع عليه ولا يسمى سارقا، وإذا بَطَّ جيب إنسان وأخذ منه فإنه أخذ من حرز، أو كسر السيارة وأخذ منها فإنه قد أخذ من حرز، أو كسر القفل ودخل الباب فإنه قد أخذ من حرز.
الشرط الثالث: أن يكون المال محترما، فإذا أخذ مثلا أشرطة غناء أو آلات لهو وطبول أو آلات غناء فلا قطع عليه؛ لأنه لا قيمة لها.
الشرط الرابع: أن يكون مكلفا، فإذا كان مجنونا أو صغيرا فلا قطع عليه؛ وذلك لأنه يسقط عنه العقوبة الأخروية فكذلك الدنيوية.
الشرط الخامس: أن لا يكون له شراكة في هذا المال، فإذا أخذ من مال مشترك بينه وبين غيره، أو من مال أبيه أو ما أشبه ذلك فلا قطع عليه، فإذا اجتمعت هذه الشروط فإنها تقطع يده، فذنبه كبير؛ حيث إنه استحل مال غيره، وحيث إنه تجرأ على كسر الأقفال أو تسلق الحيطان، وأخذ المال بغير حق مما قد حرمه الله. قال الله تعالى: رسم> وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ قرآن> رسم> فكان ذنبه وإثمه نفي الإيمان عنه، أنه إذا سرق فإن إيمانه ليس كاملا بل إيمان ضعيف أو كلا شيء.
الثالث: الخمر رسم> لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن متن_ح> رسم> الخمر هي كل ما يسكر من المشروبات؛ سواء كان مصنوعا من التمر، أو من العنب، أو من العسل، أو من الشعير، أو من الذرة يعني: مشروبات حالية فيها لذة تندفع إليها النفس لأجل حلاوتها ولذتها.
ثم من آثار الاندفاع إليها تهافت الناس إليها. آثارها أنها تسكر أي: تغطي العقل من شدة مفعولها، حرمها الله تعالى؛ لما فيها من المفاسد وجعل فيها عقوبة، عقوبتها الجلد، كانوا يجلدون في العهد النبوي أربعين جلدة، ثم كثر الذين يشربونها في عهد عمر اسم> فزاد إلى ثمانين جلدة، وقال: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون.
ثم جاء الحديث بقتله إذا أذنب، فقال صلى الله عليه وسلم: رسم> إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاقتلوه متن_ح> رسم> هكذا جاء الحديث عن نحو أحد عشر صحابيا في الأمر بقتله بعد الرابعة، ولا شك أن هذا دليل على عظم ذنبه. في هذا الحديث نفى أن يكون مؤمنا حالة تناوله لهذا المسكر رسم> لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن متن_ح> رسم> بل لا إيمان معه يردعه عنها، أو معه إيمان ضعيف لم يقو على ردعه أو ...
... واختطاف المال من صاحبه والهرب به، المنتهِب هو الذي يتغافل صاحب المال فينتهب منه، ينهب منه دراهم، أو ينهب منه متاعا أو ينتهب منه ثوبا، أو شيئا من الأموال التي لها قيمة ينتهبها ثم يهرب ويتحصن وقد يغيب؛ هذا أيضا تَعَدى على مال الغير؛ تعدى على مال غيره وأخذه بغير حق؛ يُلحق بمن يأخذون المال بغير حق، فإذا انتهبها ورفع الناس إليه أبصارهم فيها، وامتنع من أن يردها إما لنشاطه وقوته وهربه، وإما لمنعة عنده ومن القوة التي لا يقاومه أحد فيها، فهذا أيضا ممن ينتفي عنه الإيمان.
الخامس: الغلول؛ الغلول هو إخفاء شيء من الأموال المؤتمن عليها من مال الزكاة. إذا كان الإنسان مثلا مفوضا وموكلا على قبض الزكاة فأخذ منها شيئا لنفسه فهذا غلول، أو كان موكلا على بيت المال فأخذ منه شيئا لنفسه فهذا غلول، أو كان موكلا أو حافظا لشيء من الغنائم ومن الجبايات التي تجبى للمسلمين فأخذ شيئا منها لنفسه فهذا غلول. ذكر أيضا أنه لا يغل حين يغل وهو مؤمن، ومن تاب تاب الله عليه.
مسألة>