الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
36134 مشاهدة
باب مثل المسلم كمثل النخلة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: مثل المسلم كمثل النخلة.
عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ شِبْهِ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا .


في هذا الحديث ذكر ابن عمر أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار فأكل منه، ثم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن وفي هذا الحديث أنه قال: إنها مثل للمؤمن في أنها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فابن عمر وقع في نفسه أنها النخلة، والحاضرون أخذوا يذكرون شجر البوادي شجرة السدر أو شجرة السرح أو كذا وكذا، فلما لم يعرفوها أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النخلة. أخبر ابن عمر أباه بما وقع في نفسه، وقال: إني استحييت أن أتكلم لما رأيت أبا بكر عمر لا يتكلمان، وعمر يشجعه قال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا؛ يحب أن يبرز ابنه، وأن يظهر له فهم وإدراك.
ففي هذا الحديث أنه شبه المؤمن بشجرة النخل، ولعل وجه الشبه كثرة المنافع فيها؛ فإن نفعها كثير؛ فإن ثمرها غذاء وقوت يقتات به، وهو من أنفع الأغذية تمرا ورطبا وبلحا، ومنه أيضا يؤخذ دبس ونواها .. أو تعلف به الدواب، وكذلك خوصها يعمل منه الحصر والفرش والزماميل والأواني.
وكذلك جريدها يصلح عصيا وسياطا، ويجعل في سقف المباني، وكذلك أيضا يوقد به، ويصلح وقودا وكذلك ليفها تعمل منه الحبال ونحوها؛ فمنافعه كثيرة.
فكذلك المؤمن منافعه كثيرة؛ يعني أنه عبادات بقلبه، عبادات بلسانه، عبادات بيديه وبرجليه وبسمعه وببصره عبادات بماله يعني أن هذه كلها منافع، كذلك أيضا ينفع المؤمنين إخوته، ينفعهم بنصيحته ينفعهم بيديه، ينفعهم بلسانه ينفعهم بإشارته وببدنه، فمنافعه كثيرة كما أن منافع النخلة كثيرة، فهذا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ضرب الأمثلة حتى تقرب الأشياء إلى الأفهام. نعم.