إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
42788 مشاهدة print word pdf
line-top
البشرى بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه

عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
كُنّا قُعُودا حَوْلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى أَتَيْتُ حَائِطَا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النّجّار، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابا فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئرٍ خَارِجَةٍ (وَالرّبِيعُ الْجَدْوَلُ) فَاحْتَفَزْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ، وَهَؤُلاءِ النّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ (وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ) قَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيّ هَاتَينِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلُبُهُ فَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ. فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النّعَلاَنِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ: هَاتَيْنِ نَعْلاَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيِتُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. قال: فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيّ فَخَرَرْتُ لاِسْتِي. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَالَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لاِسْتِي فقَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عُمَرُ مَا حَمَلك على ما فَعَلْتَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرَهُ بِالْجَنّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَل، فَإِنّي أَخْشَىَ أَنْ يَتّكِلَ النّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلّهِمْ يَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَخَلّهِمْ .


هذه أيضا من القصص التي فيها ما يتعلق بلا إله إلا الله، ذكر أبو هريرة أنهم كانوا جلوسا ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم فقام من بينهم وأبطأ عليهم، هم ينتظرون أن يرجع، فيقول أبو هريرة خشينا أن يقتطع دوننا، خشينا أنه حيل بيننا وبينه، أو أصابته مصيبة أو نحو ذلك ففزعوا.
كان أبو هريرة أول من فزع، فسار وكأنه يمشي على أثره حتى دخل حائطا من حيطان الأنصار -يعني جدارا على بستان- فلم يجد أبو هريرة مدخلا يدخل معه، الأبواب كأنها مغلقة، ولكنه وجد جدولا -وهو ممر الماء- يدخل في ذلك الحائط، فاحتفز ودخل مع ذلك الجدول الساقي الذي يمر معه الماء، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره؛ أنهم فزعوا لما قام وأبطأ عليهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طمأنه بأنه لم يكن هناك بأس، أعطاه نعليه وقال: اذهب من لقيت وراء هذا الحائط يقول: لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة .
ذكر أن أول من لقيه عمر رضي الله عنه، ولما أخبره منعه، يقول: إنه دفعه بيديه بين ثدييه فخر لاسته، أي لقفاه، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجهشا بالبكاء، واشتكى إليه ما حصل من عمر فلما سأل عمر رضي الله عنه قال: لا تقل ذلك؛ إني أخشى أن ينكلوا عن العمل، وأن لا يتنافسوا في الأعمال الصالحة. فقال: دعهم؛ مخافة أن يكون فيهم من هم حديث عهدهم بإسلام فينكلوا عن المنافسة في الأعمال الصالحة.
ولا شك أن من قال: لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه عالما بمعناها وما تدل عليه فإنه بلا شك سيعمل بمقتضاها، وسيكثر من العبادات التي هي تأله يعني فيها معنى ما يدين به من العبادات لله وحده، هذا هو السبب في أنه من قالها مستيقنا بها قلبه دخل الجنة؛ لأنه سيترك المعاصي التي تنافي وتنقص ثواب لا إله إلا الله، وسيكثر من الطاعات التي يكثر بها ثواب لا إله إلا الله، وسيخلص لله بالعبادات التي هي من معنى لا إله إلا الله.

line-bottom