شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
32644 مشاهدة
البشرى بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه

عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
كُنّا قُعُودا حَوْلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى أَتَيْتُ حَائِطَا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النّجّار، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابا فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئرٍ خَارِجَةٍ (وَالرّبِيعُ الْجَدْوَلُ) فَاحْتَفَزْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ، وَهَؤُلاءِ النّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ (وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ) قَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيّ هَاتَينِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلُبُهُ فَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ. فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النّعَلاَنِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ: هَاتَيْنِ نَعْلاَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيِتُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. قال: فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيّ فَخَرَرْتُ لاِسْتِي. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَالَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لاِسْتِي فقَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عُمَرُ مَا حَمَلك على ما فَعَلْتَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرَهُ بِالْجَنّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَل، فَإِنّي أَخْشَىَ أَنْ يَتّكِلَ النّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلّهِمْ يَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَخَلّهِمْ .


هذه أيضا من القصص التي فيها ما يتعلق بلا إله إلا الله، ذكر أبو هريرة أنهم كانوا جلوسا ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم فقام من بينهم وأبطأ عليهم، هم ينتظرون أن يرجع، فيقول أبو هريرة خشينا أن يقتطع دوننا، خشينا أنه حيل بيننا وبينه، أو أصابته مصيبة أو نحو ذلك ففزعوا.
كان أبو هريرة أول من فزع، فسار وكأنه يمشي على أثره حتى دخل حائطا من حيطان الأنصار -يعني جدارا على بستان- فلم يجد أبو هريرة مدخلا يدخل معه، الأبواب كأنها مغلقة، ولكنه وجد جدولا -وهو ممر الماء- يدخل في ذلك الحائط، فاحتفز ودخل مع ذلك الجدول الساقي الذي يمر معه الماء، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره؛ أنهم فزعوا لما قام وأبطأ عليهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طمأنه بأنه لم يكن هناك بأس، أعطاه نعليه وقال: اذهب من لقيت وراء هذا الحائط يقول: لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة .
ذكر أن أول من لقيه عمر رضي الله عنه، ولما أخبره منعه، يقول: إنه دفعه بيديه بين ثدييه فخر لاسته، أي لقفاه، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجهشا بالبكاء، واشتكى إليه ما حصل من عمر فلما سأل عمر رضي الله عنه قال: لا تقل ذلك؛ إني أخشى أن ينكلوا عن العمل، وأن لا يتنافسوا في الأعمال الصالحة. فقال: دعهم؛ مخافة أن يكون فيهم من هم حديث عهدهم بإسلام فينكلوا عن المنافسة في الأعمال الصالحة.
ولا شك أن من قال: لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه عالما بمعناها وما تدل عليه فإنه بلا شك سيعمل بمقتضاها، وسيكثر من العبادات التي هي تأله يعني فيها معنى ما يدين به من العبادات لله وحده، هذا هو السبب في أنه من قالها مستيقنا بها قلبه دخل الجنة؛ لأنه سيترك المعاصي التي تنافي وتنقص ثواب لا إله إلا الله، وسيكثر من الطاعات التي يكثر بها ثواب لا إله إلا الله، وسيخلص لله بالعبادات التي هي من معنى لا إله إلا الله.