شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب رسم> ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان متن_ح>
رسم> .
عن أنس اسم> رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسولُهُ أَحَبَّ إليه مما سِوَاهما، ويُحِبَّ المرء لا يُحِبُّهُ إلا لله، وأن يَكْرَهَ أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقْذَفَ في النار متن_ح>
رسم> وعن أنس اسم> رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رسم>
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين متن_ح>
رسم> وعن أنس اسم> رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم>
والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يُحِبَّ لِجَارِهِ -أو قال: لأخيه- ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ متن_ح>
رسم> .
المحبة عبادة قلبية، ولكن تظهر آثارها على البدن. والإيمان عمل قلبي، ولكن تظهر آثاره أيضا على البدن، وللإيمان حلاوة، حلاوة يجدها المؤمن. المؤمن حَقًّا يجد للإيمان حلاوة. أنتَ تجد للعسل حلاوة، وتجد للسُّكَّرِ وللتمر حلاوة ولذة؛ فكذلك أهل الإيمان يجدون للإيمان حلاوة، حلاوة في قلوبهم يظهر أثرها على أبدانهم؛ وذلك لأن المؤمنين حقا يتلذذون بالعبادة، يتلذذون بالصلاة، ويتلذذون بالذِّكْرِ، ويتلذذون بالشكر. ويلتذون بالصيام، ويلتذون بالصدقة، ويلتذون بالدعاء، ويلتذون بقيام الليل، ونحو ذلك. يجدون في هذه العبادات لذةً وطعما في قلوبهم أحلى من طعم السُّكَّرِ في أفواههم.
فيقول في هذا الحديث: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول بعض السلف: أهل الليل في ليلهم أَلَذُّ من أهل اللهو في لهوهم. أهل الليل يُرَاد بهم أهل التهجد؛ وذلك لأنهم في تهجدهم وفي صلاتهم، وفي قراءتهم وأذكارهم وأدعيتهم، وفي خشوعهم وخضوعهم وتواضعهم، وتذللهم لربهم ومناجاتهم له وسؤالهم له -يجدون نشوة في نفوسهم، ويجدون نشاطا في قلوبهم، ويجدون نشاطا في أبدانهم. وهذا النشاط وهذه اللذة هي حلاوة الإيمان. كان كثير منهم يَلْتَذُّون بقيام الليل، يقول بعض السلف: كابدت قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة؛ يعني في العشرين الأولى كان يُكْرِهُ نفسه، ويجد ثقلا. وأما في العشرين الثانية فإنه يجد لذة؛ يعني يلتذ بالصلاة في وسط الليل وفي آخر الليل، ويلتذ بالقراءة ويلتذ بالدعاء، ويلتذ بسماع كلام الله أو إسماعه، ويلتذ بالتضرع إليه وبالقيام إليه، ويلتذ بخشوعه وخضوعه وسجوده وركوعه. يجد لذلك حلاوة في قلبه، وقوة في بدنه، ونشاطا في قلبه، ونشاطا في إيمانه، هذا حقيقة حلاوة الإيمان.
ولذلك كان كثير منهم إذا دخلوا في الصلاة غابوا عن الدنيا، ولم يشعروا بمن حولهم، كما ذكروا أن سعيد بن المسيب اسم> رحمه الله إذا دخل بيته سكتَ أولاده وسكت أهله، ولم يرفع أحد منهم صوته؛ لأنه ينهاهم عن ذلك. ولكن إذا دخل في الصلاة انشغل بالصلاة، وأقبل عليها إقبالا كُلِّيًّا، ولم يسمع مَنْ حوله. يصيح هذا، وهذا يُصَوِّت، وهذا يرفع صوته، وهذا يتكلم، ولا يسمع شيئا منهم؛ وذلك لأن قلبه منصبٌّ على عبادته، مقبل عليها إقبالا كليا؛ لماذا؟ لأنه تفرغ لهذه العبادة، وانشغل بها عن غيرها. ووجد لها حلاوة، ووجد لها لذة؛ فهذا حقيقة حلاوة الإيمان التي ذُكِرَتْ في هذا الحديث.
وكانوا أيضا يجدون للمعصية مَرَارَةً. المعصية التي كانت لذيذة عند كثير من الناس. أهل الإيمان تنفر منها نفوسهم وتشمئز منها قلوبهم، ويبتعدون عنها ولو كان فيها ما كان! لذة الزنا مثلا وشهوته التي تميل له النفوس. أهل الإيمان يجدون له شناعة وكراهة وبُغْضًا ونُفْرَةً في نفوسهم، ولوكان فيها ما فيها. وكذلك مثلا حلاوة الخمر، مع كونها لذيذة، ولكنها مرة زعاف عند أهل الإيمان، يبغضونها وتنفر منها نفوسهم. وكذلك مثلا حلاوة ولذة الغناء والطرب والرَّقْصِ الذي يلتذ به أهل اللهو، وأهل الغناء ونحوهم، هذا أيضا يُعْتَبَرُ شناعة عند أهل الإيمان، تنفر منه نفوسهم، ويبتعدون عنه، ولا يلتذون به، بل يجدونه ثقلا على آذانهم.
إذا سمعوه صموا آذانهم، وذلك لأنهم يعتبرونه أذى ويعتبرونه مرارة وكراهة، هكذا يكون أهل الإيمان. وبضدهم أهل الكفر، وأهل الفسوق، وأهل المعاصي؛ فإنهم يلتذون بالغناء، وينفرون عن القرآن. يلتذون بالمعاصي، وينفرون عن المساجد، يلتذون بالمخالفات، وينفرون عن الطاعات؛ فلذلك يُقَال: لا يجتمع في القلب محبة قرآن الله، وقرآن الشيطان.
يقول ابن القيم اسم> في نونيته:
أَتُحِبُّ أعداء الحبيب وتـدعي | حُبًّا له؟! ما ذاكَ فـي إمكـانِ |
حُبُّ الْقُرَانِ وحُبُّ ألحان الْغِـنَا | في قلبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَـانِ! |
حُبُّ الْقُرَانِ وحُبُّ ألحان الْغِنَا | في قلبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ! |
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وما ذاك إلا أن ربه هو خالقه، وهو رازقه، وهو مالكه؛ فهو عَبْدٌ لربه، مملوك له، وهو يعترف بفضل ربه عليه، وبنعمته عليه، وبإعطائه ما أعطاه، وبتفضيله على غيره من حُرِمَ هذا الإيمان؛ فلذلك يُقَدِّمُ محبة الله على محبة كل شيء، يُقَدِّمُ محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة كل شيء على وجه الأرض. يُقَدِّمُهَا على محبة نفسه، وعلى محبة ولده، وعلى محبة أبيه، وعلى محبة الخلق كلهم. وكذلك يقدمها على محبة شهواته، على محبة ملذاته، على محبة ما تهواه نفسه، وما تنظر إليه عينه؛ لماذا؟ لأنه يعترف بأن ربه هو المالك له، ويعترف بأن ربه إذا أعطاه، وإذا خَوَّلَهُ وإذا أكرمه فلا يحس بهوان، ولا يحس بضعف، ولا يحث بألم.
ربه تعالى هو الذي يتولاه ويحرسه، ربه هو الذي يعطيه، وهو الذي يسليه، وهو الذي ينصره ويؤويه؛ فلا يحتاج إلى أحد مِنْ خَلْقِ الله تعالى، فيقدم طاعته على طاعة غيره. ما أكثر الذين يقولون: إننا نحب الله! ولكن لابد من علامةٍ لهذه المحبة؛ لذلك لا بد من اختبار كل مَنْ يقول: إنه يحب الله ويحب الرسول. ذُكِرَ أن اليهود لما قالوا: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول بعضهم:
أَتُحِبُّ أعداء الحـبيب وتـدعي | حُبًّا له؟! مـا ذاكَ فـي إمكـانِ |
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فأما الذي يعمل المعاصي، ويقول: إنني أحب الله، فإننا نقول له: لست صادقا! لو كنت صادقا لما عصيت ربك. ولذلك يقول بعضهم:
تعصـي الإلـه وأنـت تـزعم حبه | هـــذا عجيبٌ فـي الفعـال بَدِيعُ |
لـو كـان حـبك صادقـا لأطعتـه | إن المحـب لمـن يُحِـــبُّ مُطِيعُ |
لـو كـان حـبك صادقـا لأطعتـه | إن المحـب لمـن يُحِـــبُّ مُطِيعُ |
وكذلك أيضا محبة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم طاعته. يجب تقديم مَحَبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم على محبة كل شيء. في هذا الحديث يقول: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ودليل ذلك أنهم فَدَوْهُ بأنفسهم، فدوه بأموالهم، فدوهم بأهليهم، فَدَوْهُ بكل ما يملكون؛ فأبو بكر اسم> رضي الله عنه لما خرج من مكة اسم> متوجها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار اسم> كان يمشي أمامه، ثم يمشي خلفه؛ رسم> لماذا يا أبا بكر اسم> ؟ فقال: إذا ذكرت الطلب-الذين يطلبوننا- مشيت خلفك، حتى أقيك، وإذا ذكرت الرصد مشيت أمامك حتى أكون بدلك رسم> وكذلك في غزوة أُحُد لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الغزوة، فكان يرتفع، ينظر في المعركة، فكان طلحة اسم> يقول: لا ترفع رأسك، نحري دون نحرك! نفسي دون نفسك! يعني أفديك بنفسي.
ولما أدركه المشركون كان معه نحو عشرة من الأنصار، ونحوهم كل ما أدركهم المشركون قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
نأتي إلى بعض منهم ونقول لهم: أتحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أجل! نعم أحبه! فنقول له: ألم تسمع أنه قال لك، قال لنا جميعا: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
لماذا لا تعفي لحيتك؟ لماذا تحلقها؟ أليس هذا دليلا على أنك ما أحببته؟!! لو كان حبك صادقا لأطعته! فمن طاعته أنك تتقبل كل سنة جاءتك من قِبَلِهِ وتقول: أهلا وسهلا، سمعا وطاعة لك يا محمد اسم> أنا أطيعك فيما أمرتني به، ولو كان في ذلك مخالفة الناس، ولو كان في ذلك كراهة من كرهني، أو مقت من مقتني. فاتباعك يا نبي الله وطاعتك وامتثال ما أمرتني به أَقْدَمُ عندي من رضا هذا، ورضا هذا، ورضا هذا.
فكذلك أيضا بقية العبادات. إذا أمرك بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاءت في كتاب ربك، فَتَقَبَّلْ ذلك وامتثله، وقَدِّمْهُ على كل أحد، وعلى كل طاعة أو معصية لأية مخلوق. هذا أثر محبة النبي صلى الله عليه وسلم. في هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فلا شك أننا مأمورون بأن تكون محبتنا لله، أنَّ كل مَنْ رأيناه من أهل الخير، ومن أهل الطاعة، ومن أهل الصلاح والاستقامة والأعمال الصالحة، ومن أهل الخير والإيمان الصحيح؛ فإننا نُحِبُّهُ، ولولم يُوصِلْ إلينا مالا، ولو لم يشفع لنا، ولو لم ينفعنا، ولو اعتذر عن منفعتنا، ولو بخل علينا بماله. لكنا نحبه لصلاحه، نحبه لإيمانه، نحبه لأعماله الصالحة، نحبه لأن الله يحبه، ومحب المحبوب محبوب. فنحن نحب ربنا، ونحب كل من أحبه ربنا. هذا حقا هو أثر هذه المحبة أن تحب كُلَّ مَنْ يُحِبُّ الله تعالى. قرأت في بعض التفاسير في قوله الله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فاعتذر بعض المفسرين وقال: إنهم يُظْهِرُون لكم محبة الله، ويُظْهِرُون لكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنتم تحبونهم لذلك. فيما يظهر لكم أنهم معكم، وأنهم يحبون من تحبونه، فلما كنتم تحبون الله، وتحبون نبيه صلى الله عليه وسلم كان من آثار ذلك أن تحبوا كل من أظهر محبة الله، وكل من أظهر محبة الأنبياء. وهؤلاء يُظْهِرُون ذلك، فمحب المحبوب محبوب، ومبغض المحبوب مبغوض. مَنْ أحب من تحبه فَأَحِبَّهُ، ومن أحب من تبغضه فأبغضه. هذا أثر محبة الله تعالى.
ولا شك أن الضد بالضد؛ يعني مَنْ أحب في الله تعالى فإنه يبغض في الله. إذا كنت تحب أولياء الله فعليك أن تبغض أعداء الله، ويسمى هذا أوثق عرى الإيمان. ورد في ذلك حديث : رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
أَبْغِضْهُم؛ لماذا؟ لأنهم يبغضون الله، ولأن الله تعالى يبغضهم، وأنت تُبْغِضُ مَنْ يبغضه ربك. فهكذا قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
أما المؤمن فإنه إذا أبغضهم مقتهم، واحتقرهم، وابتعد عنهم، وحَذَّرَ منهم، وحَقَّرَ شأنهم، وضللهم، ورد عليهم ضلالهم، وأنكر عليهم أفعالهم، وكرههم وكَرَّه الناس إليهم. وقال: لا تقربوا من هؤلاء فإنهم يبغضون الله تعالى، فأنتم عليكم أن تبغضوا من يبغضه ربكم، ومن يبغضه إخوانكم المؤمنون. فهذا أثر قوله في هذا الحديث: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وأما قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وكذلك غيره من الذين أوذوا في ذات الله تعالى، ومن الذين حرقوا وصبروا على الحريق، ومن الذين ضربوا وحبسوا وقتلوا وقُطِّعَتْ أيديهم وقطعت أرزاقهم، ومع ذلك ما زادهم إلا تصلبا في دينهم، وصبرا عليه، وما ذاك إلا أنهم عرفوا أن هذا الدين، وهذا الإيمان هو سبيل النجاة والفكاك، وسبيل حصول الثواب عاجلا وآجلا. وكذلك أيضا وثقوا بأن ربهم سبحانه سيجعل لهم مخرجا، فوعدهم الله تعالى بذلك، وصدق الله تعالى وَعْدَهُ. لما جاء الأحزاب في سنة خمس، وأحاطوا بالمدينة اسم> عشرة آلاف من المشركين، وضيقوا على أهل المدينة اسم> فالمنافقون تزعزع إيمانهم.
قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
مسألة>