تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
42818 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيمان يمان والحكمة يمانية

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا. الإيمان يمان والحكمة يمانية السكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر قِبل مطلع الشمس .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز .


اليمن هو ما كان جنوب مكة أو وراء الطائف كل هذا من اليمن إلى نهاية البلاد اليمنية. ذكر في هذا الحديث فضيلة أهل اليمن ؛ وذلك لأنهم استجابوا للدعوة ولم يقاتلوا، ولما جاءهم الدعاة إلى الإسلام استجابوا، ودخلوا في أول مرة؛ في أول دعوة دخلوا في الإسلام، وبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة؛ فبعث إليهم معاذ بن جبل فاستجاب له من وصله، ثم بعث أبا موسى وأبو موسى من أهل اليمن ثم بعث عمار بن ياسر وسلمان كلهم دعاة، وتفرقوا في اليمن لسعة البلاد وصاروا يعلمون الناس، وكل من دعوه استجاب ولم يتلعثم، ولم يقولوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، ولم يتمسكوا بعادات آبائهم؛ فدل ذلك على رقة في قلوبهم، وعلى تقبل منهم.
جاء وفد منهم إلى المدينة فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه قوم من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: بشرتنا فأعطنا. -هكذا عادة في الجفاة- فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم. فقالوا: قد قبلنا. جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر ثم لما وفدوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: جاءكم أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة ؛ يعني: أنهم تدخل الموعظة إلى قلوبهم؛ لرقتهم ولينهم وليس في قلوبهم شيء من النظرة ولا من القسوة، ثم زكاهم بقوله: الإيمان يمان والحكمة يمانية الإيمان يعني: الأصل أنهم فيهم الإيمان، وفيهم الحكمة التي هي الحكمة كلام قيم لطيف.
والحاصل أنه زكاهم بهذه الأحاديث. كذلك ذكر أيضا غيرهم بقوله: إن السكينة في أهل الغنم يعني: رعاة الغنم من البوادي السكينة فيهم، والجفاء وغلظ الطبع في الفدادين، أصحاب الإبل من حيث يطلع قرن الشمس؛ أي: من حيث المشرق ويشير إلى العراق أنه مشرق المدينة أي: أنهم أهل جفاء وأهل غلظ؛ طباعهم غليظة وقلوبهم قاسية. لا يستجيبون للدعوة لأول مرة. الإيمان الذي وصف به هؤلاء يراد به التصديق والعمل الصالح، ومن كان كذلك فإنه من أهل الإيمان، وكذلك أيضا عادة أن رعاة الغنم يكون فيهم شيء من التواضع، ومن السكينة ومن التقبل والإقبال، وأن أهل الإبل يفتخرون بإبلهم، ويعتزون ويظهرون التكبر والإعجاب؛ فلذلك قال: إن فيهم غلظ الطبع وفيهم الكبر وفيهم الخيلاء.
ثم ليس هذا مصدر الجهل؛ فكثيرا ما يكون في أهل اليمن جهل ومعاص وبدع، وكثيرا ما يكون في أهل الغنم أيضا شيء من الجفاء ومن القسوة، ومن الجهل أو التجاهل ومن المعاصي، وكثيرا ما يكون في أهل الإبل إيمان ودين وتقبل، ولكن كأنه يذكر أن هذا هو الأغلب والأكثر، وأنه يوجد ما هو مخالف لذلك أحيانا، والتزكية في أهل الحجاز في ذلك الوقت؛ يعني أن الأغلب أنهم تقبلوا وأسلموا، وأن أهل المشرق بقي فيهم شيء من الجفاء ومن رد الرسالة.

line-bottom