إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
15602 مشاهدة
الاعتكاف في العشر الأواخر وفضله

والعمل الرابع الذي في هذه الأيام قلنا هو الاعتكاف. ثبت في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر حتى فارق الدنيا، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
الاعتكاف هو: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، والقصد منه التفرغ للعبادة، فإن المسلم متى كان ملازما للمسجد كان متفرغا؛ لا يخرج من المسجد إلا لضرورة لا يجد منها بدا؛ يأتيه فيه طعامه وشرابه؛ يعني: فطوره وسحوره وما يحتاج إليه؛ ينام فيه ويجلس فيه.
متى كان في المسجد اعتزل الناس، واعتزل مجالسهم، وخلي بنفسه وتفرغ قلبه، وأقبل على العبادة، واستفاد من زمانه، وانقطع عن الدنيا وشواغلها، ومسحها من قلبه، ولم يتلاه، وهو لم يتشاكل عليها ولم يستهو قلبه بشيء منها، فبذلك يتفرغ للعبادة.
وقد ذكر الله الاعتكاف في عدة آيات؛ قال الله تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ؛ فالعاكف هو الملازم للمسجد لأجل العبادة، وذكره في قوله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ويعرف بعض العلماء الاعتكاف بقوله: الاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق.
وهذا ليس تعريفا كاملا؛ حيث إن الاعتكاف الصحيح هو لزوم المساجد للاشتغال بطاعة الله -تعالى- هذا هو حقيقة الاعتكاف؛ لكن من ثمراته ومن نتائجه أن يقطع العلائق عن الخلق كلهم؛ فلا يشتغل بمجالستهم، ولا بمؤانسة أحد؛ بل يخلو قلبه بربه، ويتفرغ لطاعة ربه، ويتصل بالله -تعالى-اتصالا وثيقا؛ وإذا ذكر الله ذكره بقلبه ولسانه، وإذا قرأ القرآن قرأه بقلبه وتدبره وتعقله، وإذا دعا الله دعا الله وهو مخلص حاضر القلب، وإذا صلى خشع في صلاته وأحضر فيها قلبه ونحو ذلك.
هذا زيادة على أنه يبتعد عن ملابسة المعاصي؛ فلا يعصي بلسانه؛ حيث إنه لا يخالط أحدا ولا يتكلم مع أحد، فلا يسب ولا يشتم ولا يقذف ولا... ولا...
ولا يعصي بسمعه؛ حيث إنه لا يستمع إلى لهو ولا إلى سهو ولا إلى كلام باطل، ولا إلى غناء، ولا إلى خمر زمر ولا... ولا...
ولا يعصي بعينه؛ حيث إنه لا يشاهد محرمات أبدا؛ لأنه في مسجد و المسجد محل للعبادات وليس محلا للمعاصي؛ فلا يرى إلا ما هو طاعة؛ لا يرى شيئا من المحرمات ولا من أسبابها، ولا يعصي ببدنه كله، ولا يدخل في بدنه؛ في جوفه إلا الطعام الذي يتقوى به، ويتقوت به القوت الضروري، ولا يخرج من المسجد..... حتى لا يعود مريضا، ولا يتبع جنازة ولا غير ذلك.
وذلك لأن اشتغالهم بما فيه من العبادة أهم من تلك الأمور؛ التي هي من فروض الكفايات؛ فهذا الاعتكاف هو مندوب متأكد في مثل هذه الأيام ولياليها، والكلام حوله؛ يعني حول أقله وأكثره وما يتصل به، ومتى يكون واجبا؛ ونحو ذلك؛ معروف في كتب الفقه.