اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
34042 مشاهدة
الحديث المعلَّل

وَما بِعِلةٍ غُموضٍ أَوْ خفَا مُعَلَّلٌ عِندَهُمُ قَـدْ عُرِفَا
الحديث المعلَّل:
قوله:
(وما بعلة غموض أو خفا...معلل عندهم قد عرفا).


(المعلول) عندهم ما فيه علة خفية قادحة، والعلة هي ما يطعن به في الشيء ومنه سمي المرض علة، والعلة اسم للعيب والطعن في الشيء، يطعن في الحديث بطعن، ويكون ذلك الطعن علة، ولا بد أن تكون العلة شيئا خفيا، بحيث إن الذي لم يمارس الأسانيد ونحوها ينخدع بهذا الحديث فيقول: صحيح لا عيب فيه، فظاهره متصل فيحكم بقبوله لكن أهل الأسانيد والعلم بالأحاديث يعرفون صحته أو ضعفه، فَيَطَّلِعُون على عيب خفي يسمونه علة في هذا الحديث، سواء في إسناده أو في متنه، وقد ألَّفوا في ذلك مؤلفات، ولعلك قرأت (كتاب العلل) لابن المديني، مطبوع في نبذة متوسطة، تكلم فيها على علل الحديث، وكيف تُسْتَنْبَط، وكيف تُعْرَف.
وممن ألّف في علل الحديث ورتبها على الأبواب ابن أبي حاتم كما تقدم في أول الكلام، وكتابه مطبوع في مجلدين كبيرين، اسمه (علل الحديث) رتبه على أبواب الفقه، فكتابُ الطهارة ذكر فيه علل الأحاديث التي في الطهارة، وكتاب الصلاة وهكذا، وأوفى من ألف فيه الدارقطني فإنه استوفى جميع العلل التي في الأحاديث، حتى تكلم على الأحاديث التي في الصحيحين، وذكر أن في بعضها علل، وسرد الاختلاف والاضطراب الذي يطعن به، فتارة يذكر أن بعضهم أخطأ في الموقوف فرفعه وقد كان أصله موقوفا على صحابي فأخطأ بعضهم فرفعه، وتارة تكون العلة الوصل، فقد يكون أصله مرسلا فأخطأ بعضهم فوصله، وكذا المنقطع قد يصله بعضهم خطأ وهو منقطع، وهكذا، هذه أنواع العلل، وأمثلتها في تلك الكتب.