جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
32589 مشاهدة
الحديث المقلوب وأنواعه

إِبدالُ رَاوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ وقَلْبُ إِسْنَاد لِمتنٍ قِسْمُ
الحديث المقلوب:
قوله:
(إبدال راو ما براو قسم...وقلب إسناد لمتن قسم).


(المقلوب) والقلب يكون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وتارة يكون في المتن والإسناد، فالإسناد كأن يُبْدِلَ راويا براو إذا كان بينهما تقارب في اللفظ، كأن يُبْدِلَ عاصِما الأَحْوَل بواصِل الأحْدَب لتقاربهما في اللفظ والسمع، مع اختلافهما، أو يبدل يحيى بن بكير بيحيى بن أبي بُكير وكلاهما من الرُّواة، فالأول هو يحيى بن عبد الله بن بكير يروي عنه البخاري كثيرا فيقول: حدَّثنا يحيى بن بكير، وأما الثاني فروى عنه ابن أبي شيبة وغيره وهو من رجال الصحيحين، فإبدال راوٍ براوٍ يُسمى قلبا، يُقال: انقلب هذا الحديث على فلان، فجعله عن شيخه فلان وقد أخطأ.
أنواع القلب:
 وقد يكون قلب الإسناد بإبدال راوٍ ثقة براوٍ ضعيف أو بالعكس، ولا شك أنه إن كان الأصل أنه ضعيف وانقلب براوٍ ثقة، فإنه يعد مردودا، فكثيرا ما يروى حديث عن عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، فينقلب على بعضهم بعبيد الله بن عمر هو أخوه الثقة، ويقال: هذا الحديث انقلب على الدراوردي مثلا ، أو انقلب على غيره من عبد الله إلى عبيد الله العمري وهذا طعن في الحديث.
ومن أنواع الانقلاب: أن يحول متن إلى إسناد حديث آخر أو بالعكس، وقد يكون عمدا كما وقع لجماعة من أهل بغداد لما قدِم عليهم البخاري قلبوا له أسانيد مائة حديث، جعلوا إسناد هذا لمتن هذا وإسناد هذا لمتن هذا، وأعطوها عشرة أشخاص، لكل شخص عشرة أحاديث، وقالوا له إذا اجتمعوا عنده فاسأله عن عَشَرتك، ففعل الأول وكلما حدَّثه بحديث قال: لا أعرفه، حتى تم عشرته، وجاء الثاني وهكذا حدّثه بالعشرة، وقال: لا أعرفها، فأما عوام الناس فقالوا: إنّه غير حافظ، كيف مر عليه مائة حديث وهو لا يعرفها، وأما أهل العلم الذين عملوا هذه الحيلة فإنهم عرفوا أنه قد فَطِن.
ولما أكمل العشرة أحاديثهم رجع إلى أولهم، وقال: حديثك الأول حدَّثناه فلان عن فلان عن فلان، وحديثك الثاني والثالث إلى أن تمم عشرته، وهكذا حتى أتمهم، فردّ الأسانيد إلى متونها والمتون إلى أسانيدها، فاعترفوا له بالفضل، وهذا يسمى قلب إسناد إلى متن للاختبار.
وقد يكون القلب في نفس المتن، بأن تنقلب كلمة بدل كلمةٍ على بعض الرواة، مثاله حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه: ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه انقلب على بعض الرواة فقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله . وهذا انقلاب في المتن.
ومثله حديث في الشفاعة، وفيه: أن النار يبقى فيها فضل، ويبقى في الجنة فضل، قال: فأما النار فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيها وهذا انقلاب، والصواب أنه ينشئ للجنة، وتأبى حكمته أنه ينشئ للنار خلقا ما عملوا أعمالا سيئة فيدخلهم النار بلا ذنب، أما الجنة فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيما فيها من الفضل.
والحاصل أن هذا يسمى انقلابا في المتن، وذكر ابن القيم أيضا له مثالا وقال: إنه انقلب على بعض الرواة، وهو حديث أبي هريرة الذي يقول فيه: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه وقال: إن آخره يخالف أوله، فإن البعير يقدم يديه في البروك قبل رجليه، وأنكر أن ثفنات اليدين تسمى ركبا، بل الركبة دائما في الرجل وقال: لعله انقلب على بعض الرواة وأن صوابه وليضع ركبتيه قبل يديه، وذكر أنه كذلك وقع عند ابن أبي شيبة في المصنف: إذا سجد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل ولو كان سنده ضعيفا لكنه وافق الأصل، فترجح بذلك أن الحديث منقلب على بعض الرواة كالداراوردي أو محمد بن عبد الله بن الحسن وكلاهما فيه مقال يضرُّ مع التفرد والمخالفة.
وعلى كل حال فإن الانقلاب يُرْجَعُ فيه إلى أصل الحديث، فإذا خفْتَ أَن يكون هذا الحديث مما انقلب على بعض الرواة فارجع إلى أصل الحديث ثم اطرح الرواية المنقلبة، ويعد الانقلاب قدحا في الرواية ونقصا في الحديث؛ لأنه خطأ وقع إما في المتن وإما في الإسناد .