الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
الحديث المقلوب وأنواعه
إِبدالُ رَاوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ | وقَلْبُ إِسْنَاد لِمتنٍ قِسْمُ |
قوله:
(إبدال راو ما براو قسم...وقلب إسناد لمتن قسم).
(المقلوب) والقلب يكون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وتارة يكون في المتن والإسناد، فالإسناد كأن يُبْدِلَ راويا براو إذا كان بينهما تقارب في اللفظ، كأن يُبْدِلَ عاصِما الأَحْوَل اسم> بواصِل الأحْدَب اسم> لتقاربهما في اللفظ والسمع، مع اختلافهما، أو يبدل يحيى بن بكير اسم> بيحيى بن أبي بُكير اسم> وكلاهما من الرُّواة، فالأول هو يحيى بن عبد الله بن بكير اسم> يروي عنه البخاري اسم> كثيرا فيقول: حدَّثنا يحيى بن بكير، اسم> وأما الثاني فروى عنه ابن أبي شيبة اسم> وغيره وهو من رجال الصحيحين، فإبدال راوٍ براوٍ يُسمى قلبا، يُقال: انقلب هذا الحديث على فلان، فجعله عن شيخه فلان وقد أخطأ.
أنواع القلب:
وقد يكون قلب الإسناد بإبدال راوٍ ثقة براوٍ ضعيف أو بالعكس، ولا شك أنه إن كان الأصل أنه ضعيف وانقلب براوٍ ثقة، فإنه يعد مردودا، فكثيرا ما يروى حديث عن عبد الله بن عمر العمري اسم> وهو ضعيف، فينقلب على بعضهم بعبيد الله بن عمر اسم> هو أخوه الثقة، ويقال: هذا الحديث انقلب على الدراوردي اسم> مثلا ، أو انقلب على غيره من عبد الله اسم> إلى عبيد الله العمري اسم> وهذا طعن في الحديث.
ومن أنواع الانقلاب: أن يحول متن إلى إسناد حديث آخر أو بالعكس، وقد يكون عمدا كما وقع لجماعة من أهل بغداد اسم> لما قدِم عليهم البخاري اسم> قلبوا له أسانيد مائة حديث، جعلوا إسناد هذا لمتن هذا وإسناد هذا لمتن هذا، وأعطوها عشرة أشخاص، لكل شخص عشرة أحاديث، وقالوا له إذا اجتمعوا عنده فاسأله عن عَشَرتك، ففعل الأول وكلما حدَّثه بحديث قال: لا أعرفه، حتى تم عشرته، وجاء الثاني وهكذا حدّثه بالعشرة، وقال: لا أعرفها، فأما عوام الناس فقالوا: إنّه غير حافظ، كيف مر عليه مائة حديث وهو لا يعرفها، وأما أهل العلم الذين عملوا هذه الحيلة فإنهم عرفوا أنه قد فَطِن.
ولما أكمل العشرة أحاديثهم رجع إلى أولهم، وقال: حديثك الأول حدَّثناه فلان عن فلان عن فلان، وحديثك الثاني والثالث إلى أن تمم عشرته، وهكذا حتى أتمهم، فردّ الأسانيد إلى متونها والمتون إلى أسانيدها، فاعترفوا له بالفضل، وهذا يسمى قلب إسناد إلى متن للاختبار.
وقد يكون القلب في نفس المتن، بأن تنقلب كلمة بدل كلمةٍ على بعض الرواة، مثاله حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه: رسم> ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه متن_ح> رسم> انقلب على بعض الرواة فقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله . وهذا انقلاب في المتن.
ومثله حديث في الشفاعة، وفيه: رسم> أن النار يبقى فيها فضل، ويبقى في الجنة فضل، قال: فأما النار فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيها رسم> وهذا انقلاب، والصواب أنه ينشئ للجنة، وتأبى حكمته أنه ينشئ للنار خلقا ما عملوا أعمالا سيئة فيدخلهم النار بلا ذنب، أما الجنة فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيما فيها من الفضل.
والحاصل أن هذا يسمى انقلابا في المتن، وذكر ابن القيم اسم> أيضا له مثالا وقال: إنه انقلب على بعض الرواة، وهو حديث أبي هريرة اسم> الذي يقول فيه: رسم> إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه متن_ح> رسم> وقال: إن آخره يخالف أوله، فإن البعير يقدم يديه في البروك قبل رجليه، وأنكر أن ثفنات اليدين تسمى ركبا، بل الركبة دائما في الرجل وقال: لعله انقلب على بعض الرواة وأن صوابه وليضع ركبتيه قبل يديه، وذكر أنه كذلك وقع عند ابن أبي شيبة اسم> في المصنف: رسم> إذا سجد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل رسم> ولو كان سنده ضعيفا لكنه وافق الأصل، فترجح بذلك أن الحديث منقلب على بعض الرواة كالداراوردي اسم> أو محمد بن عبد الله بن الحسن اسم> وكلاهما فيه مقال يضرُّ مع التفرد والمخالفة.
وعلى كل حال فإن الانقلاب يُرْجَعُ فيه إلى أصل الحديث، فإذا خفْتَ أَن يكون هذا الحديث مما انقلب على بعض الرواة فارجع إلى أصل الحديث ثم اطرح الرواية المنقلبة، ويعد الانقلاب قدحا في الرواية ونقصا في الحديث؛ لأنه خطأ وقع إما في المتن وإما في الإسناد .
مسألة>