جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
37330 مشاهدة
تمام ضبط الراوي

تعريف الضبط
أما الضبط فهو الحفظ، وذكروا أنه قسمان: ضبط صدر، وضبط كتاب.

تعريف ضبط الصدر:
فضبط الصدر: أن يحفظ ما رواه: أي: إذا سَمِعَهُ حَفِظَه، أو ردده حتى يحفظه، وعلامة الحفظ : أن يأتي به كما سمعه وأن يستحضره كلما أراد الاستشهاد به فيسرده كما هو. وكان في الصحابة حفاظ، منهم: أبو هريرة رضي الله عنه حافظ الصحابة، ومع ذلك كان يكرر الأحاديث، يبيت أول الليل يدرسها ويكررها ويرددها حتى لا ينساها؛ لأنه يُحدث من الذاكرة ولم يكن يكتب، وهناك من يكتبها كعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فقد كتب صحيفة وسماها الصحيفة الصادقة وتوارثها ولده بعده، إلى أن وصلت إلى عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. وكذلك في التابعين حفاظ، منهم من يحفظ الحديث أو القصة أو القصيدة عندما يسمعها، وقد روي عن الشعبي عامر بن شراحيل التابعي المشهور أنه قال: (ما كتبت سوداء في بيضاء) مع كثرة أحاديثه، وكثرة ما يحفظه من القصص والأخبار، والقصائد والأشعار، ونحو ذلك، ومع ذلك لم يكن يكتب، بل كان يعتمد على الحفظ، وأن بعضهم لم يكن يطلب من المحدث أن يعيد شيئا بل متى سمع الشيء حفظه لأول مرة ولو لم يتكرر، حتى أن بعضهم كان إذا مر باللهو أو بالكلام الباطل والقصص الخرافية ونحوها يسد أذنيه؛ مخافة أن يدخل فيها شيء باطل فيبقى في ذهنه، فهو يحب أن تكون محفوظاته خالية من الأشياء التي لا فائدة فيها، وهذا هو: ضبط الصدر.
تعريف ضبط الكتاب:
وأما ضبط الكتاب: فكونه إذا سمع الشيء دونه وكتبه، وحفظ كتابه في صندوقه أو في يده؛ مخافة أن يطلع عليه سفيه فيزيد فيه أو ينقص منه، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا ونحوه قدح في الضبط، بخلاف ما إذا حفظ كتابه فإنه يؤدي منه متى أراد بدون أن يحصل فيه تغيير أو نقص؛ ولهذا قال الناظم في ذلك الراوي: (معتمد في ضبطه ونقله)


يعني معتمد عليه، ضابط لما يسمعه ولما ينقله، وسبب الاعتماد الحفظ والأهلية.