إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
السلف الصالح بين العلم والإيمان
10162 مشاهدة
العلم الذي حصله السلف

وإذا عرفنا فضلهم نبحث أيضا - نبحث بعد ذلك - في الموضوع الثالث؛ ألا وهو العلم.
العلم الذي حصلوا عليه نقول: إن العلم المراد به: العلم الصحيح، العلم الموروث عن الرسل، العلم الذي هو ميراث رسل الله، ميراث أنبياء الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما؛ وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر فعلم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذه صغيرهم عن كبيرهم، وكبيرهم عمن قبله إلى أن ثبتوا ذلك، وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قيضهم الله -عز وجل- وقيض علماء في هذه الأمة منهم وممن بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح، ولتصفيته، ولحمايته عما يُدْخَلُ فيه من الأكاذيب، ومما ليس منه؛ ولهذا اشتغلوا بتركيب الأسانيد، الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت؛ حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته.
ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون الصحابة، ما كانوا يسألون عن الإسناد؛ ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في رواية ما ليس بثبت، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم. يعني: حتى نعلم ممن أخذتم عنه، فإذا سموا رجلًا موثوقًا وثبتًا عرفوا أن الحديث أو الأثر مقبول وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا هو السبب في تركيب هذه الأسانيد، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها.
علمهم الذي تميزوا به هو: أولًا: حفظهم للسنة النبوية ٌالتي رووها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه، وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين؛ ولهذا اهتموا –أولًا- بتدوين كتاب الله، وكتابته بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدة أيام، فأثبتوه في صحف؛ حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة؛ حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرفوا أن هذا هو القرآن المنزل عليهم.
ثم من علمهم – أيضًا - أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه. البيان: هو تفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم؛ وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل؛ ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم؛ ولأنهم أعرف بأسبابه، وأعرف بما يراد به. فلأجل هذا تقدم تفاسير الصحابة، وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم، على أهل الأزمنة المتأخرة؛ الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات، أو يطبقونها على الوقائع والحالات، أو ما أشبه ذلك.. فيقدم على الصحيح تفسير أولئك ويقبل في أن هذا هو المراد بهذه الآية، وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله؛ ولكن نقدم التفاسير؛ ولأجل هذا علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.
ونحن نعلم - أولًا -أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة وهذه الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه بأن يبلغها للناس بقوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ كلفه بأن يبلغ هذه الرسالة، ونحن بلا شك نعرف ونعتقد ونتحقق أنه بلغ الرسالة.
ثم بعد ذلك لم يقتصر على مجرد إلقائها عليهم؛ بل بينها لهم ووضحها بالعمل وبالقول، فشرح لهم ما خفي عنهم، ووضح لهم ما يحتاجون إلي إيضاحه؛ عملًا بأمر الله له، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ لما أن الله أنزل عليه هذا الكتاب ليبينه للناس شرع في بيانه، فبيانه هو بيانه بالفعل كالصلاة والحج والزكاة، وما أشبه ذلك من الأشياء المجملة، وكالحدود والعقوبات والتعزيرات المجملة في القرآن التي أوضحها وبينها.
بيانه - أيضا – بالقول: ما فسره هو وأوضحه من الآيات وبين المراد منها كما استشهد بذلك المفسرون.
لا شك أن الصحابة الذين بَيَّنَهَا لهم تَحَمَّلوها، ولما تحملوها لم يسكتوا عندها؛ بل بلغوها وبينوها لتلامذتهم؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلفهم بذلك، كلفهم بأن يبلغوها، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغ الشاهد الغائب وقال فيما ثبت عنه: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه لغير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
فلما أنهم سمعوا ذلك منه، عرفوا أنه سوف ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأنهم سيقومون بعده بحمل هذه الشريعة، وبحمل نصوصها، وحمل معانيها، وحمل كيفياتها، فما سكتوا؛ بل بلغوا ذلك، وأخبروا خاصا وعاما بما علموه وبما حفظوه.
فالنصوص التي حفظوها حدثوهم بها وما كتموا شيئا، والنصوص التي حفظوا معناها ذكروا لهم معانيها، فَمَثَّلوا لهم الأمثلة، وفعلوا الأفعال أمامهم؛ ليبينوا لهم أن هذا ما حفظوه وما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل هذا ظهرت أعمالهم طبقًا لذلك العلم؛ وذلك أن العلم إذا كان سليمًا وكان علمًا صحيحًا فإنه يتبعه العمل؛ لأنه ثمرته.
ولا شك أن علوم السلف التي تلقوها عن نبيهم، وتلقوها عن مشائخهم وأكابرهم، لا شك أنها علوم جمة، وكلها فيما يتعلق بالشريعة. العلوم التي تلقوها عن نبيهم عليه الصلاة والسلام كلها فيما يتعلق بالشريعة، وفيما يتعلق بالأمر والنهي من الله -عز وجل- فتعلموا منه ما يقولونه بألسنتهم, وما يعتقدونه في قلوبهم وهو أمور العقيدة، وتعلموا منه ما يتقربون به إلى الله -عز وجل- وهو أمور العبادة، وتعلموا منه ما يلزمهم في هذه الحياة من الأعمال، وما يلزمهم تركه من المحرمات ونحو ذلك، كل ذلك تحملوه وكله بَلَّغُوه، فهذا من العلم.