السلف الصالح بين العلم والإيمان
دور السلف في حفظ العلم
وقد حفظ الله تعالى لنا تلك المؤلفات التي كتبها لنا علماء سلف الأمة، فمثلًا: توجد مؤلفات ألفت في العقيدة في القرن الثاني، وأكثر منها في القرن الثالث، موجودة ميسرة إذا اقتناها العالم وأراد قراءتها والتقيد بها عرف أن السلف -رحمهم الله- كانوا على عقيدة راسخة، وكانوا على علم غزير، وكان منبع علمهم وأصله هو الوحيان: الكتاب والسنة يرجعون إليهما
أما الفروع التي كتبوا فيها والتي تناقلوها فهي أيضا كثيرة؛ وذلك لأنهم احتاجوا إلى أن يُحفَظ على الأمة سنة نبيهم، وعلمهم الموروث عنه، فكتبوا في ذلك مؤلفاتهم التي في الفروع، وضمنوها أحاديثًا ثابتة عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، رووها بالأسانيد إلى مصدرها وآثارًا إلى الصحابة وآثارًا إلى التابعين، تبين ما يقولونه وما يذهبون إليه، وكل ذلك لأجل أن يحفظ ذلك العلم، ولا يضيع منه شيء؛ وذلك لأن الله سبحانه تكفل بحفظ هذه الشريعة، فقيض لها علماء السلف الذين حفظوها أولًا بالأسانيد وفي صدورهم، ثم لما أنهم خافوا أن يضيع منها شيء بأسباب الحفظ الذي يطرأ عليه النسيان سارعوا في تدوينها وكتابتها.
فألف خلق كثير في القرن الثاني كالإمام مالك اسم> وأبي حنيفة اسم> الذي كتب أو كُتِبَ عنه علم جم في القرن الثاني ما يتعلق بالفروع وكذلك صاحباه أبو يوسف اسم> ومحمد بن الحسن اسم> وكذا أهل ذلك الزمان كابن جريج اسم> وعبد الرزاق بن همام اسم> ومعمر بن راشد اسم> ونحوهم من علماء ذلك القرن، ثم جاء بعدهم تلاميذهم، فألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة، كأهل الصحيحين، والسنن، والمسانيد؛ الذين بعضهم في القرن الثاني، وبعضهم في القرن الثالث؛ أي في القرون المفضلة.
وجاء بعدهم من القرون التي بعدهم من ألف في ذلك ونفع الله تعالى بعلومهم؛ ولكن العلم السلفي هو العلم الصحيح، وهو الذي أقرب إلى الثبوت وأقرب إلى الصحة.
ولا شك أن اشتغالهم بهذا وحرصهم على كتابة وإثبات هذا العلم هو مما فتح الله تعالى به عليهم؛ وذلك لأنهم لما ورثوا العلم اشتغل بعضهم بحفظه في الصدور؛ بحيث إنه لا ينسى منه شيئا، ورزق الله كثيرا منهم الحفظ الثاقب؛ حتى روي عن الشعبي اسم> عامر بن شراحيل اسم> أنه قال: ما كتبت سوداء في بيضاء؛ يعني: أنه يقتصر على الحفظ، كل شيء يعرض له فإنه يحفظه ولا يحتاج إلى تدوينه، وأنت تشاهد ما روي عنه من الآثار وما روي عنه من الأحاديث.
وقسم ثان: اشتغلوا بالتفقه فيه، والتفهم له، واستنباط الأحكام منه.
وقسم ثالث: يسر الله لهم الأمرين، فجمعوا بين الحفظ وبين الفهم.
وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب مثلًا بحملة هذا العلم، ضرب مثلًا بالغيث الذي يقع على الأرض، وأخبر بأن الغيث إذا وقع على الأرض انقسمت الأرض أربعة أقسام:
القسم الأول: يحفظ الماء حتى يزرع الناس ويسقون دوابهم ويرتوون منه، هؤلاء بمنزلة الحفظة؛ الذين رزقهم الله حفظا؛ وإن لم يكن معهم نوع تفقه.
والقسم الثاني: الأرض التي يصيبها الماء أو المطر؛ ولكنها لا تحفظ الماء ولكن تشربه، ثم تنبت النبات، فينتفع الناس بذلك النبات، ويرعون منه، ويحتشون، ويحتفظون من نضرته ومن زهرته، ويسيمون فيه دوابهم فينتفعون. فهذا القسم بمنزلة الفقهاء الذين رزقهم الله الفهم واستنباط الأحكام وإن لم يكن معهم مقدرة على الحفظ.
والقسم الثالث: الأرض التي تجمع بين الأمرين: تحفظ الماء للشرب وللسقي، وتنبت الكلأ والعشب الكثير. فهؤلاء بمنزلة من جمعوا بين الحفظ وبين الفهم والفقه.
وهناك قسم رابع: أرض سبخة لا تنبت ولا تمسك، هم الذين لم يشتغلوا بشيء من العلم؛ بل هم معرضون عنه.
نقول: إن هذا هو العلم الصحيح الذي هو ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ذكر ما بعثه به في هذا الحديث، يقول في نص الحديث: رسم> مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ فسقى الناس منها ورعوا وشربوا، وأصاب منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم، فعَلِمَ وَعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به متن_ح> رسم> .
مسألة>