اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
السلف الصالح بين العلم والإيمان
14055 مشاهدة print word pdf
line-top
فضل السلف على من بعدهم

وأما البحث الثاني وهو: لماذا فُضِّلوا على من بعدهم؟
فأولًا: قد ورد الشرع بتفضيلهم، وردت السنة بأفضليتهم، فذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أنتم خير من أبنائكم وأبناؤكم خير من أبنائهم وأبناؤهم خير من أبنائهم يعني: أن الخيرية تكون للأول، ولا شك أن الأولين حازوا قصب السبق وهو الصُّحبة؛ صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا أفضل ممن بعدهم؛ ولهذا اتفقوا على أن الصحابة -رضي الله عنهم- عدول، تُقبل روايتهم، لم ينقم على أحد منهم ضعف ولا كذب ولا رَدٌّ في رواية، ولم يُجْرَحْ أحد منهم في الرواية؛ بل قبلت روايتهم كلهم، واتفقوا على أنهم كلهم عدول.
فهذا من ميزتهم، وثبت - أيضًا - في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- خير الناس قرني – أي القرن الذي بعثت فيهم - ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويقولون ولا يُؤتمنون، ويَنذرون ولا يُوفون، ويظهر فيهم السمن ؛ يعني: السمنة، فهذا دليل – أيضًا - على أفضليتهم، وعلى أن ترتيبهم في الفضل ترتيبهم في الوجود، فأفضلهم القرن الأول الذي انقضى بسنة مائة، ويليه القرن الثاني الذي انقضى بسنة مائتين، ويليه القرن الثالث الذي انقضى بثلاثمائة. هذا إذا عُبِّرَ عن القرن بأنه مائة سنة.
ومنهم من يقول: إن القرن هم الجماعة الذين يتواجدون في زمان واحد وتتقارب أسنانهم ثم يفنون، آخرهم هو آخر القرن وعلى هذا يكون مثل الحديث الذي قبله أنتم خير من أبنائكم ؛ يعني: الصحابة خير من أبنائهم أبناء الصحابة وأبناؤكم خير من أبنائهم ؛ يعني: أبناء الصحابة خير من أولادهم وأبناؤهم خير من أبنائهم وبهذا حازوا قصب السبق.
ولا شك أنهم في ذلك الزمان أو في تلك القرون كانوا فيهم الفضل، وفيهم الشرف، وفيهم العقيدة السليمة، فكانوا بذلك أفضل، ولم تظهر فيهم البدع، ولم تظهر المحدثات، وإذا ظهرت بدعة كانت مضطهدة وأهلها أذلة، فكانوا بذلك أفضل من غيرهم، وكانوا مع ذلك قدوة لمن بعدهم؛ ولهذا تتخذ أقوالهم حجة يعني: يحتج بهم؛ سيما علماؤهم وعبادهم الذين تبصروا في دين الله، وعبدوا الله على نور وبرهان، تتخذ أقوالهم دليلا؛ وذلك لأنا نحسن الظن بهم أنهم لا يعملون إلا عن دليل، ولا يقولون إلا عن توقيف، ولا يروون إلا عن تثبت، لا يروون الأحاديث إلا بعدما يُثَبِّتُونَها فتقبل مراسيل الصحابة بالاتفاق، ومراسيل كبار التابعين فيها خلاف؛ ولكن يترجح أنها تقبل إذا دلت القرائن على صحتها، ولو لم تثبت مسندة.
وهكذا - أيضًا - أقوالهم التي يحتجون عليها، أو يذهبون إليها، تتخذ دليلا، فيقال: هذا القول قد سبقنا إليه فلان الصحابي، أو التابعي، قد قال به قبلنا من التابعين فلان وفلان وءهم من العلماء الأجلاء الذين لا يقولون إلا عن توقيف.

line-bottom