تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
السلف الصالح بين العلم والإيمان
8471 مشاهدة
بدعة القدرية

ثم حدث أيضا في أواخر عهد الصحابة بدعة أخرى هي بدعة إنكار القدر، إنكار القدر السابق كما قال يحيى بن يعمر كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألناه عما يقول هؤلاء فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر داخلا المسجد الحرام فاكتنفته أنا وصاحبي، وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد خرج قِبَلَنَا أناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم وإنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنُف. فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدهم مثل أُحد ذهبا ما قبله الله منه؛ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.
هذه الطائفة أنكروا العلم السابق، وقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع. وأنكروا أن يكون الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، وأنكروا أن يكون الله قدَّر على العباد ما هم فاعلون، وعلم الشقي والسعيد وما أشبه ذلك. وقد أنكروا النصوص الصريحة في ذلك؛ ولكن رد عليهم السلف، وبينوا خطأهم، وبينوا أن هذا قول باطل، وأن هذا تنقص لعلم الله تعالى.
ولهذا يقول الشافعي رحمه الله: ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خُصِمُوا، وإن جحدوه كفروا؛ يعني: سلوهم: هل تقرون بأن الله بكل شيء عليم؟ وبأن الله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ فإذا اعترفوا بأن الله بكل شيء عليم انقطعت حجتهم ولم يبق لهم ما يتعلقون به، وإذا أنكروه وقالوا: لا، لا نقر بأن الله بكل شيء عليم، كفروا؛ وذلك لأنهم تنقصوا الله تعالى، ووصفوه بالجهل، فإن لازم من نفى العلم عن الله أن يثبت له الجهل.
فهذه بدعة خرجت؛ ولكن هناك من يقاومها، وهناك من يردها، فلم تكن متمكنة في ذلك العهد؛ وذلك لقوة أهل الحق ولكثرتهم؛ ولقوة الأدلة التي جادلوا بها، فانقطعت الشبه وظهر أمر الله وهم كارهون.