تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
السلف الصالح بين العلم والإيمان
8894 مشاهدة
موقف السلف من صفات الله عز وجل

فلم يكن في عهد السلف بدع متمكنة، ومع الأسف أن هذه البدع - بدعة المعتزلة وبدعة الجهمية وبدعة القدرية- انتشرت فيما بعد القرون الثلاثة، وبالأخص بدعة الجهمية التي هي إنكار الصفات، فقد تمكنت وصار في القرن الرابع وما بعده لا يعرف مذهب السلف في باب الاعتقاد؛ بل صاروا يتنقصون السلف، ويرمونهم بأنهم جهلة يمثلونهم بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني كما أخبر الله بذلك عن أهل الكتاب في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ يعني: إلا مجرد تلاوة لا يفقهون من معانيه شيئا.
فالخلف الذين هم أهل القرون المتأخرة -الرابع والخامس والسادس وما بعدها- يزعمون أن السلف إنما يؤمنون بألفاظ مجردة لا يدرون ما معانيها يؤمنون بها ألفاظا ويفوضون معانيها ولا يعرفونه، ولا شك أن هذا تنقص لهم؛ حتى زعموا أن علم السلف هو مجرد التفويض ويستدلون بقولهم في أحاديث الصفات: أمروها كما جاءت بلا كيف.
ولا شك أن هذا تنقص لهم وعيب لهم؛ وذلك لأنه قد نقل عن السلف -رحمهم الله- أشياء كثيرة تدل على إيمانهم بالله، وإيمانهم بصفات الله، وإيمانهم بما جاءهم عن الله -عز وجل- وتقبلهم للشريعة، وتصديقهم للنصوص، واعتقادهم لمدلولاتها، ووصفهم الله تعالى بصفات الكمال، وإثبات الصفات كما جاءت إنما فقط نَهَوا عن التكليف، ونَهَوا عن التكلف في السؤال عن الكيفية وما أشبه ذلك.
وهذا معنى قولهم في آيات الصفات: أمروها كما جاءت بلا كيف؛ أي لا تسألون عن الكيفية؛ لأنها مجهولة، وكما يقول مالك بن أنس - وهو من علماء تابعي التابعين - لما سئل عن الاستواء فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وروي هذا أيضا عن شيخه الذي هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن وهو أحد أكابر التابعين من أهل المدينة أنه سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
فهذه المقالة تدل على أنهم يعرفون معاني الآيات، ويعرفون معاني النصوص، ويؤمنون بها إلا أنهم يعرفون أن لها كيفية، وتلك الكيفية هي المجهولة التي لم تصل علوم الخلق إلى معرفتها.
نقول: إن هذا ونحوه من علم السلف -رحمهم الله- أنهم لما حصلوا على هذا العلم الموروث كان من آثار ذلك أن عملوا به في باب الاعتقاد وفي باب العمل، وكذلك حصل أن ردوا على المبتدعة ما جاءوا به من شبهات، وأنكروا تلك البدع التي حدثت في زمانهم حتى بقي أهلها لا يؤبه لهم ولم تتمكن بدعهم إلا في القرون المتأخرة.