اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
حول أركان الصلاة (لقاء مفتوح)
7667 مشاهدة
تفسير قوله: غير المغضوب عليهم ولا الضالين

ثم يقول غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ أي: نجنا من طريق المغضوب عليهم، ومن طريق الضالين، المغضوب عليهم هم: اليهود، والضالون هم: النصارى، وسمي اليهود مغضوبا عليهم؛ لأنهم عصوا على بصيرة؛ معهم علم ولم يعملوا به، والنصارى ضالون؛ لأنهم يتخبطون في العمل، فيعملون على جهل وضلال.
ولذلك يقول بعض السلف: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ وذلك لأن العلماء إذا فسدوا فقد عصوا على بصيرة، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وحينئذ يكون عذابهم أشد، وأما إذا تركوا التعلم وتعبدوا على جهل وعلى ضلال، فإنهم أيضا يعذبون على تركهم العلم، لماذا تركتم العلم وتعبدتم وأنتم على جهالة، وأنتم قادرون على أن تزيلوا جهلكم، وأن تكملوا نقصكم، وذلك بالتعلم حتى تتعلموا العبادة ثم إذا تعلمتموها وعبدتم الله -تعالى- بها كانت مقبولة.
ذكر الله -تعالى- في صفة اليهود الغضب عليهم في قوله -تعالى- فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ أي: رجعوا باستحقاق غضبين؛ فدل على أن الغضب حالٌّ على اليهود، -نسأل الله أن يجنبنا طريقهم- وذكر الضلال وجعله من صفة النصارى في قوله -تعالى- لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ فهم ضالون يعني: بعيدون عن الحق، بعيدون عن سواء السبيل؛ هؤلاء ضالون، وهؤلاء مغضوب عليهم؛ فهذا معنى هذه الآية. العبد يسأل الله -تعالى- أن يجنبه طريق هؤلاء، وهؤلاء.
هذه الفاتحة ورد في الحديث أنها بين الله وبين عبده نصفين، قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها الأول حمد وهو حق لله -تعالى- وذكر لأسمائه الخمسة وهي: الرب، والرحمن، والرحيم، والمالك، والإله، واعتراف له بالملك؛ أي أنه المالك، ثم اعتراف بالعبودية، بأنه المعبود وأننا نعبده؛ أما النصف الثاني ففيها أننا نستعينه ونحن بحاجة إلى إعانته، ونستهديه، ونحن بحاجة إلى هدايته، ونطلبه أن يحشرنا مع الذين أنعم عليهم، ونحن بحاجة إلى ذلك، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم، ونحن بحاجة إلى ذلك.
فلأجل ذلك صارت هذه الفاتحة ركنا لا تصح الصلاة إلا بها، وكتبت في أول المصحف، وجعلت فاتحة الكتاب. أنزل الله -تعالى- هذه الفاتحة وجعلها أول المصاحف، أول مصحف المسلمين؛ دليلا على أهميتها، وأصبحت ركنا من أركان الصلاة؛ يُقرأ بها في كل ركعة سرية أو جهرية، يُسمعها الإمام للمأمومين في الصلاة الجهرية؛ كصلاة الصبح، وصلاة الجمعة، وصلاة التراويح، والركعتين الأولتين من المغرب ومن العشاء، حتى يتعلموها.
فلذلك واجب على كل مسلم دخل في الإسلام أن يتعلم هذه السورة؛ حتى إذا صلى وأتى بها كاملة قبلت صلاته؛ فيها إحدى عشرة شَدة، والشدة بلا شك تعتبر حرفا من الحروف، فإذا ترك شدة فقد ترك حرفا؛ فلا تقبل صلاته؛ إذا كان قادرا على تقويمها.
فإذا قال: الحمد للَه فقد غير كلمة الله، ترك شدة الله، وإذا قال ربِ العالمين ترك شدة رَبِّ الْعَالَمِينَ لم يأت بها كما ينبغي، وإذا قال: الرَحْمَنِ الرَحِيم؛ ترك شدة الراء من الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ما صحت صلاته؛ لأن هذا يغير المعنى، وإذا قال مالك يوم الدِين يوم الدِين ترك شدة الدال؛ فتغير اللفظ ما صارت كاملة اللفظة، وكذلك إذا قال: اهدنا صِراط لم يقل: الصِّرَاط؛ يعني: ترك شدة الصاد، وكذلك إذا قال: صراط الَذين صراط الَذين ترك شدة الَََََّذين.
وهكذا فعليه أن يأتي بها كاملة، وبتشديداتها، حتى لا تختل شيء من كلماتها؛ بل يحافظ عليها، ويجعلها دِينا يدين به، ويكمل عبادته وصلاته.