عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
شرح الورقات
47888 مشاهدة print word pdf
line-top
تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد

..........................................


ذكر بعد ذلك الأخبار يعني: الاستدلال بالسنة، والاستدلال بالأخبار، يقول الخبر ما يدخله الصدق والكذب أي: الكلام ينقسم إلى قسمين: خبر وإنشاء.
فالإنشاء: هو –مثلا- الأمر والنهي ونحو ذلك، إذا قلت لولدك: أعطني ماء أشرب، هذا يسمى إنشاء، أو قلت: تعلم يا ولدي القرآن، هذا يسمى إنشاء، لا يقال فيه صدقت ولا كذبت.
وأما الخبر: فهو الذي إذا نقله أحد فقد يصدقه بعضهم وقد يكذبه بعض؛ فإذا قلت –مثلا- نزل المطر على البلد الفلانية. فقد يقول بعضهم: كذبت. ويقول بعضهم: صدقت. لأن هذا خبر نقلته يمكن أن الذي نقله لك غير متثبت فهو يحتمل الصدق والكذب.
الخبر ينقسم إلى قسمين:
متواتر وآحاد، هذا تقسيمهم له.
المتواتر تعريفه: ما يوجب العلم. هذا نتيجته أنه يوجب العلم. وتعريفه: ما رواه جماعة لا يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.
ويعرفه بعضهم: ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه وكان مستندهم الحس ليس العقل.
فإذا رواه –مثلا- من الصحابة خمسة أو ستة وهم متفرقون حدث به واحد في اليمن حدث به واحد في الحجاز وآخر في العراق وآخر في الشام وآخر في مصر ثم نقله عن كل واحد منهم جماعة، ثم استمرت الكثرة إلى أن وصلت إلى المؤلفين الذين كتبوه كالبخاري وأحمد والطيالسي ونحوهم، فإننا نقول: هذا الحديث متواتر في ذلك الزمان، الأماكن متباعدة الذي في اليمن والذي في الشام بينهما مسافة طويلة فلا يمكن أن هؤلاء الخمسة يجتمعون ويقولون: اختلقوا كذا، اكذبوا كذا وكذا، ولا يمكن أيضا أن الذين حدثوا عن اليماني هم عدد كثير، أنهم تواطئوا وكذبوا على ذلك العالم اليماني وهكذا وهو أن يرويه عدد كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، منهم من حدهم بخمسة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: عشرون أو أربعون أو سبعون، ولكن ليس هناك دليل يحدد هذا المتواتر.
ولا بد أن تصير الكثرة من أول السند إلى آخر السند، ولا بد أن يكون منتهاهم الحس ليس منتهاهم العقل، فإذا قالوا: قد سمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم بكذا، أو قالوا رأيناه كل واحد يقول: رأيته إذا سجد سجد كذا وكذا، على السبعة أعضاء –مثلا- أو يقول: حضرته وقد فعل كذا وكذا. فكل هذه تعتبر من المشاهدة، أما إذا كان منتهاهم العقل فإنه لا يصير متواترا؛ فلذلك لا يقع العلم بما يعتقده الفلاسفة من قدم العالم أو من عدم حجمه لأنهم إنما يعتمدون على الفكر لا على السماع ولا على الكلام.
وأما الآحاد: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم.
هكذا يعرفه كثير من الفقهاء، ومنهم هذا المؤلف الذي هو الزبيدي يختار هنا أن المتواتر لا يوجب العلم، وإنما يعمل به؛ ولكن القول الصحيح: أنه يوجب العلم. وبعضهم اعترض بأنه يوجب العلم، ولكن علما ظنيا لا علما يقينيا، والصحيح: أنه يوجب العلم اليقيني، وقد أطال العلماء فيه- الكلام على الآحاد- تكلم عليه ابن حزم في كتابه الإحكام وبين أنه يفيد العلم، وكذلك نقل كلامه ابن القيم في الصواعق المرسلة وحقق أنه يوجب العلم؛ وذلك لأن الأشاعرة والمعطلة ونحوهم لما جاءتهم أحاديث صحيحة؛ قالوا: إنها آحاد والآحاد لا يوجب العلم، وإنما يعمل به فلا نقبلها في العقيدة؛ لأن العقيدة لا بد فيها من أدلة يقينية، فناقشهم ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة ويوجد الكلام في المختصر- مختصر الصواعق المرسلة- ولا يزال هناك من يرد أحاديث الآحاد.
قد ذكرنا أن واحدا من أهل عمان ألف رسالة وسماها السيف الحاد على من يحتج بالآحاد ورسم فيها صورة السيف، وهذا تجرؤ وطعن في الصحيحين وطعن في الآحاديث الثابتة، وقد كتبنا رسالة في أخبار الآحاد، وطبعت قبل عشرين سنة أو نحوها بعنوان أخبار الآحاد في الحديث النبوي حجيتها ومرادها والعمل بموجبها وأعيد أيضا طبعها في الحجاز واعتمدنا فيها على ما ذكره ابن القيم وعلى ما ذكره الإمام الشافعي في الرسالة من الأدلة على أن أخبار الآحاد تفيد العلم اليقيني ليس فقط العلم الظني كما يقوله بعضهم، وليس كما يقولون إنها تفيد الظن.

line-bottom