من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح الورقات
38731 مشاهدة
الاجتهاد

الاجتهاد:
الاجتهاد هو بذل الوسع في بلوغ الغرض، يعني: إذا جاءتك مسألة فلا تسأل فيها هذا العالم وهذا العالم ، عندك الكتب، فتبحث فيها عن الأحاديث وعن الآيات وعن الاستدلالات وما أشبه ذلك، وعندك قدرة على أن تفصل إلى القول الصحيح في هذه الحالة أنت مجتهد؛ إذا كنت قادرا على البحث، وقادرا على الفهم؛ وعندك معرفة باللغة، وعندك معرفة بالنحو، وعندك قدرة على فهم المسألة، فإنك تكون مجتهدا في تلك المسألة.
المجتهد إما أن يكون مجتهدا عاما أو مجتهدا خاصا، فالمجتهد العام هو الذي كل ما نزلت به مسألة أخرج دليلها؛ واستدل عليها، وأفتى فيها. وأما المجتهد الخاص فهو الذي يقدر على أن يجتهد في مسألة دون مسألة.
المجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد؛ فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهو أجر الاجتهاد، إذا بذل وسعه وبحث في المسألة.
هناك عند المعتزلة يقولون: كل مجتهد في الفروع مصيب، وهذا خطأ، الأصل أن المصيب واحد، وأن المخطئ مأجور، فالصواب مع أحدهما؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر المخطئ وسماه مخطئا.
لا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لو كان كذلك لقلنا: المعتزلة مصيبون، والأشاعرة مصيبون؛ تؤدي إلى تصويب أهل الضلال، حتى يقال: النصارى مصيبون لأنهم مجتهدون، الكفار مصيبون، الملاحدة مصيبون، المجوس مصيبون، الرافضة مصيبون!!! هذا توسع.
فالصواب أن الاجتهاد إنما هو في الفروع، وأما في الأصول فإنها متبعة، فالأصول العقيدة لا يجوز الخلاف فيها.
ذكروا أن ابن تيمية لما تناظر مع الأشاعرة الذين هم شافعية عند السلطان الذي في دمشق فقال السلطان: إن ابن تيمية حنبلي، اتركوه على معتقده اتركوه على مذهب الحنابلة. فامتنع الإمام ابن تيمية وقال: كلا لست على مذهب ابن حنبل ؛ بل الأئمة الأربعة، كلهم يقولون بقولي، كلهم متفقون على القول في العقيدة، على الإيمان بأسماء الله وصفاته وما يثبت له، طالبهم: ائتوني بقول عن الشافعي أنه أنكر الاستواء، وقال: اسْتَوَى استولى، ائتوني بقول عن الإمام مالك وأنا آتيكم بأقواله، الإمام مالك نقل عنه أنه قال: الله على عرشه، وهو معنا بعلمه كما يشاء وما أشبه ذلك، فلم يستطيعوا أن يأتوا بقول، فدل على أن الأئمة الأربعة على عقيدة واحدة في الأسماء والصفات.
المعتزلة يقولون: كل مجتهد مصيب، دليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا: تقسيم النبي -صلى الله عليه وسلم- المجتهدين إلى مصيب ومخطئ، وأن من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر.
وجه الدليل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطَّأ المجتهد تارة وصوبه أخرى، فدل على أن المصيب واحد وأن المخطئ مأجور، والله أعلم. وهذا آخر الورقات.