اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
34557 مشاهدة print word pdf
line-top
ذكر كلام ابن وضاح في وقوع فتنة الكفر والضلالة في الأمة والأدلة على ذلك (تابع)

ثم روى بإسناده عن حذيفة أنه أخذ حصاة بيضاء فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء استضاءة هذه الحصاة، ثم أخذ كفا من تراب فجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة.
أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده عن أبي الدرداء قال: لو خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليوم إليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة. قال الأوزاعي فكيف لو كان اليوم.
قال عيسى ؛ يعني الراوي عن الأوزاعي فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان.
أخبرنا محمد بن سليمان بإسناده عن علي أنه قال: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله؛ فإنه سيأتي بعدكم زمان ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم.
أخبرنا يحيى بن يحيى بإسناده عن أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف منكم شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة.
حدثني إبراهيم بن محمد بإسناده عن أنس قال: ما أعرف منكم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس قولكم لا إله إلا الله.
أخبرنا محمد بن سعيد قال حدثنا أسد بإسناده عن الحسن قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول، ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: فوضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة. ثم قال: أما والله فمن عاش في هذه النكراء، أو لم يدرك هذا السلف الصالح، فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب يدعو إلى دنياه فعصمه الله عن ذلك وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح يسأل عن سبيلهم، ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجرا عظيما، فكذلك فكونوا إن شاء الله تعالى.
حدثني عبد الله بن محمد بإسناده عن ميمون بن مهران قال: لو أن رجلا نشر فيكم من السلف ما عرف فيكم غير هذه القبلة.
أخبرنا محمد بن قدامة الهاشمي بإسناده عن أم الدرداء قالت: دخل عليّ أبو الدرداء مغضبا فقلت له: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أنهم يصلون جمعيا. وفي لفظ: لو أن الرجل تعلم الإسلام وأهمه، ثم تفقده ما عرف منه شيئا.
حدثني إبراهيم بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خليا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم ولا يعرفان شيئا مما كانا عليه.
قال مالك وبلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه تلا: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فقال: والذي نفسي بيده إن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا.
قف تأمل رحمك الله إذا كان هذا في زمن التابعين بحضرة أواخر الصحابة، فكيف يغتر المسلم بالكثرة أو تشكل عليه أو يستدل بها على الباطل؟
ثم روى ابن وضاح بإسناده عن أبي أمية قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال: أما والله قد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه؛ فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام؛ فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجـر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. قيل يا رسول الله: أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: أجر خمسين منكم .
ثم روى بإسناده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: طوبى للغرباء -ثلاثا- قالوا: يا رسـول الله ومن الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في أناس سـوء كثير من يبغضهم أكثر ممن يحبهم .
أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده عن المعافري قال: قال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين ينكر ويعلمون بالسنة حين تطفأ .
أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا أسد بإسناده عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بدأ الإسلام غريبا، ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس .
حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أسد بإسناده عن عبد الرحمن أنه سمع رسول الله يقول: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: ومن الغرباء يا رسـول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس .
هذا آخر ما نقلته من كتاب البدع والحوادث للإمام الحافظ محمد بن وضاح -رحمه الله-.


هذه النقول من هذا الكتاب رسالة صغيرة، ولكن فيها هذه الآثار القيمة.
روى فيه بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه وهو من أجلاء الصحابة، ويُسمَّى صاحب السر: أنه أخذ حصاة بيضاء، فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدِّين قد استضاء إضاءة هذه الحصاة؛ يعني أنه قد صار ظاهرا جليا لا يخفى، كما أنكم لا تخفى عليكم أن هذه حصاة، ثم أخذ كفًّا من تراب فجعل يذره على الحصاة، يذره عليها حتى واراها؛ اندفنت ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدِّين كما دُفِنت هذه الحصاة.
يعني ظهر الإسلام في أول الأمر في العهد النبوي وتجلى، وصار ظاهرا كظهور هذه الحصاة، ثم يأتي بعد ذلك أناس يدفنونه في مجتمعاتهم فلا يبقى للإسلام طعم، ولا يبقى له أثر؛ يندفن كما دفنت هذه الحصاة.
وهذا وقع الآن، وقع قبل أزمنة أن كثيرا من الدول اندثر فيها الإسلام، فلم يبقَ من الإسلام إلا الشيء الخفي الذي يستخفي به أهله، بحيث إن بعض الدول إذا قيل لهم: إن هذا الرجل يصلي؛ أودعوه بالسجن. مجرد أنه يصلي، يقولون: إنه إذا كان كذلك فإنه سيثوّر علينا الناس، يكون ممن يؤلب علينا العامة؛ ويقول: إن هؤلاء رؤساء الدولة لا يصلون، أو إنهم يقرون المنكر، فيُؤلب علينا الناس، فيثورون علينا. أودعوه في السجن، وهكذا كثير.
ثم روى بإسناده عن أبي الدرداء قال: لو خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليوم إليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة؛ يعني تغير ما كانوا عليه، كانوا في العهد النبوي يعمرون المساجد بالذكر، وأصبحت المساجد وكأنها مهجورة، كذلك أيضا كانت الأسواق فيها ذكر الله، وأصبحت الأسواق محل غفلة، وكانوا أيضا يجاهدون، وأصبح الجهاد كأنه معطل، كانوا يدعون إلى الله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأصبح ذلك في كثير من البلاد في ذلك الزمان، الذي هو آخر القرن الأول يقول: ما عرف إلا أنكم تُصلون جميعًا.
يقول الأوزاعي فكيف لو كان اليوم؛ يعني: لو كان في زمن الأوزاعي الذي مات في القرن الثاني في سنة سبع وخمسين ومائة؛ يعني: أن أبا الدرداء الذي مات في القرن الأول أنكر على أهل زمانه، فيقول الأوزاعي كيف لو رأى أبو الدرداء زماننا؟
ثم يقول: عيسى الراوي عن الأوزاعي كيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟ يعني الذي ظهرت فيه كثير من البدع.
ثم روى بإسناده عن علي -رضي الله عنه- قال: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله.
ويريد بالعلم هنا العلم الشرعي، الذي هو ميراث الأنبياء تعلموه تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله؛ فإنه سيأتي بعدكم زمان ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم.
قد وجد أيضا في بعض الدول من أنكر الحق كلهم ليس تسعة الأعشار، بل الجميع، ولكن لا يزال هناك والحمد لله من هم متمسكون بالحق.
ثم روى قال: أخبرنا يحيى بن يحيى ويريد به الذي روى عن مالك بإسناده عن أبي سهيل وهو عم مالك بن أنس بن مالك -عن أبيه أنه قال: ما أعرف منكم شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة؛ أنكم تنادون بالصلاة: الله أكبر الله أكبر . هذا في زمان مالك جد مالك بن أنس .
ثم روى بإسناده عن أنس -رضي الله عنه- الذي مات في القرن الأول في آخره قال: ما أعرف منكم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس قولكم لا إله إلا الله يعني أسمعكم تقولون: لا إله إلا الله، هذا الذي أعرف، فأما الأعمال، فكأنه يقول: تغيرت.. هذا في عهد أنس .
ثم روى بإسناده عن الحسن البصري -رحمه الله- قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول -يعني الصحابة- ثم بعث اليوم؛ يعني في عهد الحسن .
الحسن -رحمه الله- ولد في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر يقول: لو بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، يقوله الحسن رحمه الله. ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة؛ فقط أنكم تجتمعون للصلاة، ثم قال: أما والله لمن عاش في هذه النكراء؛ يعني الحالة المنكرة، ولم يدرك هذا السلف الصالح، فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه الله عن ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح، يسأل عن سبيلهم، ويقتص آثارهم، ويتبع سبيلهم؛ فيعوض أجرا كبيرا عظيما، فكذلك فكونوا إن شاء الله.
يحث -رحمه الله- على التمسك بالحق في الزمن الذي تكثر فيه البدع، ويكثر فيه الدعاة إلى البدع، فيقول: إن الإنسان إذا عاش في هذه الحالة المنكرة، مع أنه ما أدرك السلف الصالح، ورأى هذا يدعو إلى بدعته، ورأى الآخر يدعو إلى دنياه، ورأى الآخر يدعو إلى معصية، ومع ذلك تمسك، وعصمه الله، وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح؛ يعني أنه عرف السلف، وعرف ما هم عليه، فجعل يحن إليهم، ويسأل عن سبيلهم، ويقتص آثارهم، ويتبع طريقتهم، ولو كان زمنه متأخرا فإن الله يعوضه أجرا عظيما.
وذلك مثل ما ورد في الحديث؛ الحديث الذي فيه: أن للصابر أجر خمسين كما يأتي، ثم يقول: فكذلك فكونوا إن شاء الله.
حدثني عبد الله بن محمد بإسناده عن ميمون بن مهران قال: لو أن رجلا نشر فيكم من السلف ما عرف فيكم غير هذه القبلة. نشر يعني بعث من السلف الصالح الذين هم الصحابة والتابعون أو كبار التابعين، لو بعث فيكم ما عرف شيئا مما كان عليه السلف إلا أنكم تستقبلون القبلة في الصلاة.
إذا كان هذا في الزمان المتقدم فكيف بزماننا؟
ثم روى عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو الدرداء مُغْضَبا، فقلت له: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- شيئا إلا أنهم يصلون جميعا. في ذلك الزمان في عهد أبي الدرداء كان في القرن الأول، قل: أنكر ما كانوا عليه إلا أنهم يجتمعون للصلاة.
جاء أزمنة بعده إلى هذه الأزمنة أصبحوا، أو كثير منهم لا يصلون إلا نادرا، يقول وفي لفظ: لو أن رجلا تعلم الإسلام وأهمه، ثم تفقده ما عرف منه شيئا؛ يعني الإسلام الذي في عهد الصحابة.
ثم روى عن عبد الله بن عمرو قال: لو أن رجلين - عبد الله بن عمرو بن العاص - لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خليا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم، ولا يعرفان شيئا مما كان عليه. يعني رجلين من الصحابة خاليين في شِعب في بعض الأودية معهم المصحف، ثم أتوا الناس أنكروا ما كان عليه الناس.
يقول مالك -رحمه الله- بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه تلا: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فقال: والذي نفسي بيده إن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا، كما دخلوا فيه أفواجا .
في عهد أبي هريرة مات في سنة ثمان وخمسين، ومع ذلك يذكر أنهم يخرجون منه أفواجا، ما حدث في ذلك الوقت إلا ثلاث بدع: بدعة الخوارج، وبدعة الرافضة، وبدعة القدرية، وربما أن بدعة القدرية ما أدركها أبو هريرة .
يقول المؤلف: قف تأمل رحمك الله إذا كان هذا كله في زمن التابعين، وبحضرة أواخر الصحابة، فكيف يغتر المسلم بالكثرة، أو تُشكل عليه، أو يستدل بها على الباطل؛ لأن في زماننا، وفي زمان المؤلف يقولون له: كيف تدعي: أنك أنت، والذين على طريقتك أنتم على الصواب، وبقية الدول وبقية القبائل كلهم على باطل؟ إن هذا اغترار، فيقول: لا تغتروا بالكثرة، فليست الكثرة دليل على الحق والصواب.
ثم روى ابن وضاح بإسناده عن أبي أمية قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني صحابي مشهور اسمه جرثوم بن ناشر يقول: فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع بهذه الآية؟ أية آية ؟ قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يقول: لا تهتم بأمر هؤلاء الناس؛ أمر العصاة، وأمر المبتدعة، أصلح نفسك لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .
يستدل بهذه الآية كثيرون يقولون: عليكم بأنفسكم، ويجيب عنها بعض المشايخ من المشايخ: ابن باز رحمه الله فيقول: إن الله قال: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ متى تكونوا مهتدين؟ إذا أمرتم، ونهيتم، ودعوتم، فإذا أمرتم ونهيتم، ولم تطاعوا فعليكم أنفسكم، فلا تكونون مهتدين إلا إذا أمرتم ونهيتم.
يقول أبو ثعلبة أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام؛ فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا، يعملون مثل عمله، قيل: يا رسول، أجر خمسين منهم. قال: أجر خمسين منكم .
وجدت هذه في كثير من الدول، بحيث إن الصالحين هربوا لما وجدوا الأذى في كثير من الدول التي تدعي الإسلام، ولكن وجدت هذه الأشياء الأربعة:
الشح: هو البخل مع الحرص، بخيل وحريص على جمع المال، وممسك لما عنده، ولا يدفع شيئا من حقوق الله عليه، شحا مطاعا، يقول الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وهوى متبعا. جاء في أثر تقدم: ما تحت أديم السماء إله يعبد شر من هوى متبع وهو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه، كلما هوي شيئا ومالت نفسه إليه فعله، ولا ينظر هل هو صواب أم خطأ؟
ودنيا مؤثرة؛ في قول الله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى يقدمون الدنيا، ويقدمون مصالح الدنيا، ولو فاتتهم العبادات، ولو فاتهم الدين، فدنياهم أغلب عليهم من دينهم؛ شهواتهم ولهوهم وسهوهم وميلهم وما يهوونه، يقدمون دنياهم ومصالحهم وأعمالهم التي يكتسبون بها، ولو مالا قليلا، يؤثرونها على الدين.
يدخل في ذلك الذين يأكلون الربا، والذين يأخذون الرُّشا، والذين ينتهبون الأموال، والذين يخونون الأمانات، وما حل بأيديهم فهو الحلال، يؤثرون الدنيا ولا يبالون بنصيحة.
وكذلك أيضا ما تهواه أنفسهم، فيقولون: نمتع أنفسنا بما عندنا من الدنيا، فتح الله علينا هذه الأموال؛ فلأجل ذلك نحن نريد أن نُرفّه عن أنفسنا ولو بمحرم، فيستبيحون الزنا، ويستبيحون الأغاني وما أشبه ذلك.
وإعجاب كل ذي رأي برأيه: كل منهم ما رآه فإنه الصواب: لا يقبل نصيحة، ولا يقبل موعظة، ولا يتأثر بإرشاد؛ بل يتبع رأيه، ويتبع هواه، ويتبع بدعته التي هو عليها، والتي أخذها عن أهله، وعن أبويه يحسِّن ذلك، ويتمسك به. لا شك أن ذلك كله وقع في كثير من البلاد: الشح، والهوى، والدنيا، والإعجاب.
يقول: إذا رأيت ذلك غالبا رأيته في كل البلد، ففي هذه الحال عليك بنفسك، عليك نفسك، عليك نفسك؛ فتش عن معائبها، ودع عنك أمر العوام؛ فإن من وارئكم أياما -يعني: بعدكم أيام: هي أيام الفتن- الصبر فيهن مثل: القبض على الجمر هل يستطيع أحد أن يقبض على الجمر، الذي يتقد، يقبض بيده. الصبر على دِينه، الذي يصبر على دِينه مثل: القابض على الجمر. لماذا؟
لقلة الموافق، وكثرة المخالف، هذا يلمزه، وهذا يعيبه، وهذا يقدح فيه، وهذا يؤذيه وهذا يرجمه، وهذا يتسلط عليه، وهذا يُوشي به، وهذا يغتابه، وهذا يكذب عليه؛ فيكونون كلهم ضده، كيف يتحمل؟ لا يستطيع أن يتحمل، الأولى له في هذه الحال أن يهرب بدينه؛ لكثرة الذين يخالفونه، صبره على دينه مثل: صبره على جمر يتوقد.
العامل في تلك الأزمنة، والذي يصبر على دينه، مع كثرة المخالفين، وتمسك بالسنة له أجر خمسين يعملون مثل عمله؛ خمسين من الصحابة، أجر كبير إذا وجد ذلك.
نقول: قد يوجد في كثير من الدول التي يتسلط فيها الأشرار على الأخيار، والتي يكون فيها الأخيار قلة قليلة؛ واحد في المائة أو واحد في الألف، والبقية ضده، كلُّهم يقدحون فيه؛ هذا متزمت، هذا عصبي، هذا متعصب، هذا متشدد، هذا غالي، هذا متأخر، هذا رجعي، كلامهم كثير فيه، وكذلك أذاه: يوصلون إليه ما يقدرون عليه من الأذى.
ثم روى بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المشهور -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: طوبى للغرباء ثلاثا، قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء ؟ قال: ناس صالحون قليل في أناس كثير، من يبغضهم أكثر ممن يحبهم سماهم غرباء لقلتهم.
الغريب: هو الذي يكون غريبا في بلد، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل يعني كأنك لست من أهل البلد؛ الإنسان إذا قدم على بلدة ليس من أهلها، لا يجد من يؤانسه، ولا يجد من يعرفه، ولا من يأنس به يمل منها، ويتمنى أنه يفارقها هذا هو الغريب.
فالغرباء: الذين ليس معهم من يؤنسهم، يكونون في البلدة مثلا واحد في الألف. هذا غريب بين هذا المجتمع. طوبى لهم: شجرة في الجنة، وقيل: اسم الجنة؛ ناس صالحون قليل بين أناس كثير، من يبغضهم: يحقرهم، ويرجمهم، ويمقتهم أكثر ممن يحبهم.
ثم روى أيضا عن محمد بن سعيد بإسناده عن المعافري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طوبى للغرباء: الذين يتمسكون بكتاب الله حين يُنكر، ويعملون بالسنة حين تطفأ هذه صفة لهم، يتمسكون بكتاب الله يعملون به، وأكثر الناس الذين حولهم ينكرونه أو يحجرونه أو لا يعملون به، وكذلك السنة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- تنطفئ في كثير من الأوقات، فيتمسكون بها.
ثم روى بإسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بدأ الإسلام غريبا، ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس .
بدأ الإسلام غريبا يعني في أول الإسلام، كان المسلمون مثل الغرباء؛ قليل، البقية يبغضونهم، ويمقتونهم، ويعذبونهم ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا -يعود إلى غربته في كثير من البلاد- فطوبى للغرباء من هم؟ -حين يفسد الناس- الذين يتمسكون بالإسلام عند فساد الناس.
ثم روى أيضا بإسناده عن عبد الرحمن أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس .
بدأ غريبا في أول أمره، وسيعود غريبا في آخر الدنيا، أو في كثير من الأزمنة، فطوبى للغرباء.
فسرهم: بأنهم الذين يصلحون عند فساد الناس، وجاء في رواية: الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي وجاء في رواية: الذين يفرون بدينهم من الفتن الغرباء: الذين يفرون بدينهم من الفتن، وجاء في رواية: فطوبى للغرباء النزّاع من القبائل من كل قبيلة فرد.
فهذا الحديث صحيح في صحيح مسلم وفي غيره، وقد شرحه ابن رجب رحمه الله في رسالة له مطبوعة اسمها كشف الكربة في أحوال أهل الغربة ووصفهم بما صاروا إليه. ابن رجب رحمه الله في القرن الثامن من تلاميذ ابن القيم زمانه عده زمان غربة، فكيف بمن بعده؟
ولا شك أن هذا كله دليل على: أنه لا يستنكر غربة الإسلام في كثير من الدول، وقلة المتمسكين به، ولكن قد بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يبقى على الإسلام، وعلى السنة، من ينصر الله تعالى بهم دينه.
أسئلة
س: بسم الله الرحمن الرحيم يقول السائل: ما هي البدعة؟ ولماذا يبتدع الناس هذه البدع؟ وجزاكم الله خيرا.
البدعة: المحدثات في الدين؛ المحدثات التي يحدثونها سواء كانت من الأعمال؛ كإحياء ليلة المولد، أو من العقائد؛ كالتعطيل والجبر والإرجاء والتشيع؛ هذه بدع عقائدية، وهذه بدع عملية.
والذين يحدثونها يزين لهم الشيطان أن هذا أفضل من السنة وأنهم على صواب، ويكون الذين يحدثونها أفراد، وقد يكون الذين يحدثونها من أعداء الإسلام؛ يخدعون بها بعض الجهلة ويتمسكون بذلك.
س: أحسن الله إليكم. يقول: لا شك أن بعض المبتدعة كفار فما هو .. به من عذاب الله؟
إذا كانوا في الحال فعليهم أن يسألوا، وأن يستفصلوا، وأن يتثبتوا، لا سيما في الزمن الذي انتشر فيه الحق، ولكن علماؤهم يحذرونهم، يقولون: لا تسمعوا من السني، ولا تقرءوا في كتبه؛ فإنهم يضللونكم ويخرجونكم عن عقائدكم.
فنقول في هذه الحال: ليسوا معذورين لوجود الأدلة.
س: أحسن الله إليكم، يقول: يستدل المبتدعة بأن عمر رضي الله عنه مبتدع، وعمر قال: نعمت البدعة هي -يقصد التراويح نعمت البدعة هي-؟
إنما قال له بعضهم: إن هذه بدعة، فقال: نعمت البدعة هي؛ يعني إن كانت بدعة، فالصواب أنها سنة ولكنه أحياها، لما كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأحياها وأحيا الله تعالى به هذه السنة، وتسميتها بدعة يعني كأنها شيء جديد ما كان في عهد أبي بكر ولكن كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يستمر لعذر من الأعذار، فتسميته لها بقوله: نعمت البدعة هذه؛ يعني إن كانت بدعة.

س: أحسن الله إليكم، قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين ألا يرد عليهم بذلك ؟
وكذلك أيضا أن عمر من الخلفاء الراشدين، فما سنه فإنه يعتبر سنة مع أنها ليست بدعة.
س: أثابك الله يقول: ما معنى قول بعض الناس في تعريف القرآن: أنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود؟ أريد إيضاح.
منه بدأ؛ يعني تكلم به، تكلم به حقا، وفي آخر الدنيا يرفع، ولا يبقى منه حرف، عندما لا يعمل به، وعندما يبقى مهجورا، ولا يعمل به يرفع إلى السماء، فهذا معنى إليه يعود.
س: يقول: ما صحة حديث: لعن الله الشارب قبل الطالب ؟
ليس هذا حديث. لا شك أن الطالب الذي طلب الماء يمكن أن يكون له عذر، وأنه أحق. سمعت العامة يقولون: الماء لطالبه ويلك يا شاربه. عبارة يقولونها بمعنى أن الذي طلبه أحق به، فأما أنه حديث فلا.
س: أحسن الله إليكم. هذا السائل يسأل عن من هو عبد الله القصيمي ؟ وهل كان من العلماء؟
اشتهر رجل من مصر صعيدي، ولكن أمه قصيمية، فيُسمى عبد الله القصيمي عبد الله بن علي الصعيدي القصيمي هذا كان عالم، ولغوي فصيح، وجدلي، وألف كتبا منها كتاب الصراع بين الحق والباطل ردا على النصارى. كتاب جيد، وكذلك كتبا أخرى.
ثم لما اشتهرت العلوم الجديدة والمحدثات والمخترعات؛ انتكس، وخيل إليه: أن المسلمين متأخرون، وأن الذي أخرهم هو علومهم: علم التوحيد، وعلم الحديث، وعلم الفقه، وأشباه ذلك -أنها هي التي أخرتهم، وأنهم لو تركوها، وتعلموا العلوم الجديدة والحرف والصناعات لتقدموا كما تقدم غيرهم، وسمى هذه العلوم الأغلال، وألف كتابا عنوانه هذي هي الأغلال ويريد بذلك العلوم الشرعية، والأعمال الشرعية.
وهذا من الانتكاس والعياذ بالله. رد عليه بعض المشائخ من أشهرهم الشيخ ابن سعدي رسالة مختصرة فيما افتراه الصعيدي في أغلاله، ورد عليه رجل يقال له: عبد الله بن علي بن يابس وسماه رده الرد القويم على ملحد القصيم في مجلد، ورد عليه الشيخ إبراهيم السويِّح وسمى رده بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب الأغلال دليل على أنه انحرف في فكرته. نعم.
س: أحسن الله إليك. يقول السائل: ما هي عورة المرأة أمام محارمها؟ وما هي عورة المرأة أمام النساء مع ذكر الأدلة والتفصيل في ذلك؟
المرأة لا شك أنها عورة، وأنها فتنة، فلا شك أنه لا يجوز لها أن تبدي إلا الشيء الذي تضطر إلى إبدائه، حتى أمام محارمها؛ فإن الرجل قد يفتتن إذا رأى شيئا من باطن جلدها ولو كانت أخته، أو بنت أخيه، أو عمة، أو خالة.
فنقول: من عورتها: البطن، والظهر، والجنبين، والمنكبين، وما أشبه ذلك. هذا مما تستتر به مخافة الفتنة، وكذلك أمام النساء؛ وكذلك لأنها إذا أظهرت شيئا من داخل جسدها اقتدت بها هذه الفتاة، وتلك الفتاة، فصار ذلك ديدنا وعادة.
وأما الذين قالوا: إن عورتها من السرة إلى الركبة فقد تساهلوا؛ وذلك لأنها لو أبدت صدرها ونحرها، ونحو ذلك؛ لكان ذلك فتنة لمن يراها حتى ولو كان من محارمها.
لها أن تبدي وجهها؛ لأنها قد تحتاج إلى غسله بالطهارة، وتبدي رأسها؛ لأنها قد تحتاج إلى مسحه بالطهارة، وشعرها؛ لأنها قد تحتاج إلى تسريحه ولو كان عندها نساء، أو نحو ذلك، وذراعيها تحتاج إلى إبداء غسل ذلك بالطهارة، وقدميها، هذا الشيء الذي يظهر، وكذلك ثدييها، إذا احتاجت إلى إخراج ثديها لترضع طفلها؛ الشيء الذي تحتاج إليه، وإلا فالأصل أنها تتستر، والله وأعلم .

line-bottom