إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
25120 مشاهدة
بيان أحاديث وآثار التي تكلمت عن زمان الغربة وأهله

فطوبى للغرباء قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس .
وذكرنا أن ابن رجب رحمه الله شرح هذا الحديث في رسالة مطبوعة اسمها كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة يعني: الغرباء الذين في آخر الزمان.
وذكرنا: أن الغربة في آخر الزمان ما ذكر في الحديث الذي جاء في الصحيح، وذكره ابن وضاح وغيره: أنه عليه الصلاة والسلام قال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك العوام؛ فإن من ورائكم أياما: الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منهم قال: بل منكم وذلك لقلة الموافق وكثرة المخالفين، ففي ذلك تتحكم غربة الإسلام.
وقد وجدت هذه الغربة يقول: تأمل إجماع العلماء كلهم أن هذا قد وقع من زمن طويل -يعني الغربة وقعت من زمن قديم- حتى قال ابن القيم رحمه الله: الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره. ابن القيم في القرن الثامن مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأدرك القرن السابع، فهو من القرون الوسطى، ولكن الإسلام في ذلك الزمان غربته قلة أهل السنة الذين هم على السنة، الذين هم على طريقة السلف.
حدث في زمانه من غربة الإسلام إيذاء أهل السنة ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما أنه أظهر معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؛ صاح عليه أهل زمانه وقالوا: هذا مشبه ومجسم وحشوي، واشتكوه ورفعوا بأمره إلى ولاة الأمور، وأدخل في السجن في مصر أكثر من خمس سنين، ثم بعد ذلك رجع إلى دمشق ثم في آخر أمره أدخل أيضا السجن، ومات وهو في السجن بعد أن دخل في السنة الثالثة كل ذلك دليل على غربة الإسلام.
ولذلك روي عن الإمام أحمد أنه قال: ما أغرب السنة، وأغرب منها من يعرفها. هذا مع أنه في آخر القرون الثلاثة المفضلة لا شك أن هذا دليل على أنها استحكمت غربة الإسلام في هذا الزمان...
محمد بن عبد الوهاب -رحمه اللـه- خرج على أناس قد غيّروا السنة، وقد أشركوا، وقعوا في شركيات لا تحصى.
ذكر المؤرخون أن عندهم في العيينة قبر يقولون: إنه قبر زيد بن الخطاب ، زيد بن الخطاب من جملة الذين قتلوا في وقعة اليمامة خمسمائة، فكيف عين قبر زيد هناك قبره؟‍ يعني: الذين ماتوا خلق كثير، منهم ثابت بن قيس بن شماس الذي بشره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، ولكن يمكن في القرن العاشر أو نحوه سول لهم الشيطان وقال: ابحثوا عن زيد ابحثوا عن قبره، فجاءهم من سول لهم وخيل إليهم وصنع قبرا، وقال: هذا قبر زيد .
يعبدونه عبادة صريحة. ذكر أنه كان يحضر معهم وهم ينادون: يا زيد أعطنا يا زيد ارحمنا يا زيد انصرنا ارزقنا؛ فيقول لهم برفق: الله خير من زيد الله أقدر من زيد إلى أن هداهم الله وهدموه.
وكذلك شجرة أيضا هناك أعان الله تعالى على قطعها.
وكذلك نخلة في الدرعية تأتيها المرأة إذا لم تتزوج، وتضمها وتقول: يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول، وهناك أيضا غار في الدرعية يدعون: أن ابنة الأمير لجأت إليه، وأنه حماها ذلك الغار، فيأتون إليه ويهرقون عليه الأدهان، ويتمسحون به؛ يعني حجارة لا شك أن هذا من غربة الإسلام.
وأما عبادة الأموات فحدث ولا حرج؛ ولذلك يقول ملا عمران بن رضوان ساكن لنجة في قصيدته الدالية يقول رحمه الله:
الشيـخ شاهد بعض أهـل جهالة
يدعون أصحاب القبـور الهمد
تاجا وشمسـانا، ومن ضاههما
من قبـة أو تربـة أو مشهد
يعني أنهم يعبدون مثل هذه القبور، أصحاب القبور الهمد، ولما وفقه الله ملا عمران نَظَمَ له عقيدة يتبرأ فيها من هذه المعبودات يقول في أولها:
إن كـان تـابع أحمـد متوهبا
فأنــا المقـر بأنني وهـابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي
رب ســوى المتفرد الوهـاب
لا قــبة ترجى، ولا وثن، ولا
قـــبر له سبب من الأسباب
كلا، ولا حجر، ولا شجر، ولا
عين, ولا نصب من الأنصاب
أيضا، ولست معلقا لتميمة
أو حلقة، أو ودعة، أو ناب
لرجاء نفع، أو لدفع بليـة
الله ينفعني، ويدفـع ما بي
يدل على أن هذه كلها متواجدة وأنها متوفرة، أليس ذلك دليل على غربة الإسلام؟ أشد مما كانت عليه في زمن ابن القيم رحمه الله.