إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
25138 مشاهدة
ما ورد عن ابن تيمية في تكفير المعين ودليله على ذلك


وقال أبو العباس أيضًا -في الكلام على كفر مانعي الزكاة- والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها، وهذا لم يعهد عنه الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: ( والله لو منعوني عقالًا ـ أو عناقًا ـ كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه )؛ فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، والشاهدة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردة.
وكان من أعظم فضائل الصديق -رضي الله عنه- عندهم أن ثبته الله على قتالهم، ولم يتوقف كما يتوقف غيره فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله.
وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم. انتهى.
فتأمل كلامه -رحمه الله- في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين.
قال -رحمه الله- بعد ذلك وكفر هؤلاء، وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة. انتهى كلامه.
ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد اتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين. فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين للإسلام، وهي أوضح الوقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصـر الصحابة -رضي الله عنهم- إلى وقتنا هذا.


هذا أيضا كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وكأنه ابتلي في زمانه بمن يقول: إنهم لا يكفرون إلا إذا صرحوا بالجحد، ولا يضرهم المنع أو العمل، وهذا مع الأسف موجود في زماننا.
كثير من المتمعلمين يقولون: لا تكفروهم إلا إذا جحدوا، فلا تكفر من يترك الصلاة حتى يقول: إني جاحد لها وإنها ليست فريضة، ولا تكفروا من يدعو الأموات حتى يقول: إن دعاءهم ليس بشرك إنه توحيد، فأما إذا قال إنه شرك ودعاهم فلا يضره؛ لأنه اعترف بأنه من أهل التوحيد؛ لأنه ليس جاحدا للشرك، ولا منكرا لوقوعه، وكذلك لا تنهوا عن شيء إلا إذا كان ذلك الذي فعله جاحدا له، وأشباه ذلك.
الجواب أن نقول لهم: إن الترك يدل على الإنكار، فإذا قالوا إنه يرجع إلى ما في القلب، نقول: الذي في القلب خفي من الذي يطلعنا على ما في قلوبهم، ثم نقول: إن الذي في القلوب تظهره الأعمال؛ بمعنى أن من أنكر شيئا ظهر أثره، إن من أنكر شيئا تركه، ولو قال إني أقر به بلسانه؛ ما ينفعه، تركك له دليل على إنكارك له، وقولك: إن الصلاة فريضة الله وأنها ركن الدين وأنها عمود الإسلام، ومع ذلك تصر على تركها دليل على شكك في فرضيتها أو أشباه ذلك.
شيخ الإسلام -رحمه الله- تكلم على كفر مانعي الزكاة، ولعل هذا الكلام في كتاب الإيمان أو في غيره من الكتب يقول -رحمه الله- الصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؛ لم يعهد عن الصحابة والخلفاء أنهم كانوا إذا أرادوا أن يقاتلوا مانعي الزكاة يسألونه هل أنت تقر بوجوبها، بل يقاتلونه إذا منعها، ولو كان يقر بوجوبها.
بل ذكر أن كثيرا منهم يقرون بوجوبها، ولكن يقولون لا نعطيها أبا بكر ويقولون: إنها لا تحل إلا للرسول ويستدلون بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فيقولون: ليست صلاتك يا أبا بكر سكن لنا؛ فهي خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
أو يقولون: نحن نتصرف فيها وندفعها لمن نعرفه فلا تأخذها منا أو نحو ذلك. ما عهد عن الخلفاء والصحابة أنهم كانوا يسألون كل جاحد هل أنت مقر بها أو جاحد لها، بل يقاتلونهم على المنع.
ولما قال عمر كيف تقاتل الناس، قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قال أبو بكر الزكاة من حقها الزكاة حق المال، ولو منعوني عقالا -الحبل الذي يربط به البعير- في الزكاة أو عناقا -السخلة من الغنم- كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه.
أقره عمر وقال: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق. جعل أبو بكر المبيح للقتال مجرد المنع منعوني، لم يقل جحدوا منعوني، فجعل المنع هو السبب ليس جحد الوجوب.
يقول: قد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن منعوها بخلا، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذها منهم.
يقول: ومع هذا في سيرة خلفائهم جميعا سيرة واحدة، ما هي؟ مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم؛ قاتلوهم ومن استولوا عليه غنموا أمواله جعلوها غنيمة، وسبوا نساءهم وسبوا ذراريهم واستعبدوهم، وشهدوا على قتلاهم بالنار، لما تاب بعضهم وأسلموا ورجعوا قال لهم أبو بكر اشهدوا على قتلانا أنهم في الجنة، وقتلاكم في النار حتى نقبلكم.
وفي رواية أنه قال: تفدون قتلانا ولا نفدي قتلاكم ولكن عمر -رضي الله عنه- تساهل معهم، وقال قتلانا شهداء، ونرجو أن الله تعالى يقبلهم ولا حاجة إلى أن نقبل فديتهم أو ديتهم.
والحاصل أنهم قاتلوهم جميعا وسموهم كلهم أهل الردة، وكان قتالهم من أعظم فضائل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عندهم، اعترف السلف له بالفضل؛ وذلك لأنه لما قاتلهم واستمر في قتالهم ثبته الله تعالى ورجع من كان ارتد ومن كان كفر رجعوا إلى الإسلام؛ بسبب دعوته، وبسبب قتاله ثبته الله على قتالهم.
ولم يتوقف كما توقف غيره، وناظرهم حتى رجعوا إلى قوله؛ ناظر عمر لما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم قال أليس قال: إلا بحقها؟ الزكاة من حق المال، ناظرهم حتى رجعوا إلى قوله.
وهكذا أيضا قاتل بني حنيفة الذين صدقوا بنبوة مسيلمة صدقوا بنبوته فقاتلهم؛ لأنهم جعلوا مع النبي محمد غيره، فهؤلاء ما أحد نازع في قتالهم لا عمر ولا غيره، بل قالوا: لا بد أن نقاتلهم حتى يرجعوا إلى الإسلام، ويعترفوا بأن مسيلمة كذاب، هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.