تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
24910 مشاهدة
شرح رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في وقوع الفتن لمن ادعى الإيمان لبيان الصادق والكاذب

السلام عليكم ورحمة الله. قال رحمه الله: وقد رأيت للشيخ تقي الدين رسالة كتبها وهو في السجن إلى بعض إخوانه؛ لما أرسلوا إليه يشيرون عليه بالرفق بخصومه ليتخلص من السجن؛ أحببت أن أنقل أولها لعظم منفعتها.
قال رحمه الله تعالى: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فقد وصلت الورقة التي فيها رسالة الشيخين الناسكين القدوتين أيدهما الله وسائر الإخوان بروح منه وكتب في قلوبهم الإيمان، وأدخلهم مدخل صدق، وأخرجهم مخرج صدق، وجعل لهم من لدنه ما ينصر به من السلطان سلطان العلم والحجة بالبيان والبرهان وسلطان القدرة والنصرة بالسنان والأعوان، وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه الغالبين، لمن ناوأهم من الأقران، ومن الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان، والله محقق ذلك ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، لكن بما اقتضت حكمته ومضت به سنته من الابتلاء والامتحان، الذي يميز الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان.
إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة لكل من أدعى الإيمان، والعقوبة لذوي السيئات والطغيان، فقال تعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ فأنكر سبحانه على من ظن أن أهل السيئات يفوتون الطالب الغالب، وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة تميز بين الصادق والكاذب.
وأخبر في كتابه أن الصدق في الإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيله، فقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .
وأخبر سبحانه وتعالى بخسران المنقلب على وجهه عند الفتنة، الذي يعبد الله فيها على حرف، وهو الجانب والطرف الذي لا يستقر من هو عليه، بل لا يثبت على الإيمان إلا عند وجود ما يهواه من خير الدنيا، فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ .
وأخبر سبحانه أنه عند وجـود المرتدين فلا بد مـن وجـود المحبين المحبوبين المجـاهدين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فهؤلاء هـم الشاكـرون لنعمة الإيمان، والصابرون على الامتحان، كما قال تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ إلى قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .
فإذا أنعم الله على إنسان بالصبر والشكر كان جميع ما يقضي له من القضاء خيرًا له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له والصبار الشكور هو المؤمن الذي ذكر الله في غير موضع من كتابه.
ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشرّ حال، وكل واحد من السراء والضراء في حقه يفضي به إلى قبيح المال، فكيف إذا كان ذلك في الأمور العظيمة التي هي محن الأنبياء والصديقين، وفيها تثبيت أصول الدين، وحفظ الإيمان والقرآن من كيد أهل النفاق والإلحاد والبهتان، فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
والله المسئول أن يثبتكم وسائر المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويتم نعمه عليكم الظاهرة والباطنة، وينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين على الكافرين والمنافقين الذين أمرنا بجهادهم والإغلاظ عليهم في كتابه المبين.
انتهى ما نقلته من كلام أبي العباس -رحمه الله- في الرسالة المذكورة وهي طويلة.


هكذا نقل أيضا -رحمه الله- من هذه الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هذه الرسالة موجودة في ترجمته في العقول الدرية في مناقب ابن تيمية للشيخ ابن عبد الهادي رحمه الله كتبها وهو بالسجن.
ذكرنا أنه سجن مرتين: سجن مرة في مصر وذلك لما اشتهر قوله بإثبات الصفات، فاستدعاه أهل مصر وطلبوا من السلطان أن يحضره عندهم، حتى يردوا عليه، فذهب من دمشق إلى مصر وكان قاضي القضاة كما يقولون ابن مخلوف قاض حنفي، ولكنه في العقيدة أشعري، وكان هناك أيضا قاض شافعي يقال له: ابن عدوان شافعي أيضا.
فتصدى ابن عدوان له كخصم، وأحضره عند ابن مخلوف وقال: أدعي على هذا الرجل أنه يقول: إن الله فوق العرش بذاته، وأنه يتكلم بحرف وصوت إلى آخر ما قال، فعند ذلك قال له ابن مخلوف ما تقول يا فقيه، ابتدأ شيخ الإسلام رحمه الله بحمد الله والثناء عليه، فقطعوا عليه كلامه، وقالوا: ما أتينا بك لتخطب، إنما جئنا بك لتحتج، فقال: فمن الحكم؟ قالوا: قاض القضاة هذا، فقال: كيف تحكم علي وأنت خصم؟ جميعكم خصوم لي تنكرون هذا المذهب، وهذا المعتقد الذي أنا عليه؛ فغضب ابن مخلوف وأمر بإدخاله في السجن.
وبقي في السجن سنتين ونصف أو سنتين وثمانية أشهر، ثم أخرج، وفي هذه المدة يتمكن الزوار من زيارته وسؤاله ويفتيهم يكتب لهم فتاوى أو يملي عليهم، مع أنه ليس عنده مراجع ولكن من حفظه، ثم بعد ذلك خرج، وحصلت مجادلة بينه وبين الصوفية الذين كانوا ينكر عليهم، فرفعوا أمره أيضا إلى السلطان، وطلبوا سجنه؛ فسجن أيضا مدة طويلة.
والحاصل: أنه بقي في مصر من سنة سبعمائة وخمس إلى سنة سبعمائة واثنتي عشرة، في هذه المدة وهو في سجن وفي مضايقات، وكتب إليه في السجن أناس ينصحونه ويقولون: استعمل التقية، استعمل المداراة لخصومك حتى لا تسجن، وحتى لا تحبس؛ لأنك إذا أظهرت قوة وأظهرت الصراحة؛ تألبوا عليك وأنكروا عليك، وهم أقرب إلى الملوك، وأقرب إلى السلاطين منك لأنهم قضاة ولأنهم مسموعة كلمتهم، ولكن لم ينصع لقولهم، بل أصر على أن يقول الحق ولو كان مرا.
وذلك عملا بالأحاديث في قول أبي ذر يقول: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع: أمرني أن أحب المساكين وأدنو منهم، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا إلى آخره.
وقدوته في ذلك أيضا الإمام أحمد -رحمه الله- في زمانه؛ فإنه قد ابتلي وجاءه كثيرون وقالوا: وافق على أن القرآن مخلوق حتى تتخلص، وتكون كالمكره ولكنه أصر على أن يقول الحق ويصر عليه ولو سجن. تعرفون أيضا: أن الإمام أحمد صبر على السجن مدة طويلة ولم يلن لهم، ولم يوافقهم، فهكذا شيخ الإسلام.
ولما رجع سنة اثنتي عشرة إلى دمشق بقي هناك في آخر حياته في سنة ست وعشرين، أو خمس وعشرين وسبعمائة، كتب رسالة في إنكار شد الرحال إلى زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما ظفر بها أعداؤه، كان له أعداء هناك في دمشق كلهم من الأشاعرة، وإنما عادوه لأجل هذا المعتقد، فعند ذلك رفعوا بأمره إلى السلطان، وأمر بإدخاله في السجن، وبقي في السجن أكثر من سنتين إلى أن توفي -رحمه الله- سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
فالحاصل: أنه كتب إليه بعض أصدقائه وهو بالسجن يشيرون عليه بالرفق بخصومه: ارفق بهم، وواجههم مواجهة سهلة، وتخلص من شرهم ولو على وجه التقية، ولو على وجه المداراة، ولو ادعيت أنك مكره.
فيقول المؤلف: أحببت أن أنقل أولها؛ لعظم منفعتها. ابتدأ -رحمه الله- بهذه المقدمة؛ يعني خطبة الحاجة: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله -هذه خطبة الحاجة المعروفة- أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ثم يقول: أما بعد: فقد وصلت الورقة التي فيها رسالة الشيخين الناسكين القدوتين. ما ذكرت أسماؤهما؛ وذلك لأن الغرض معرفة صفتهما أنهما ناسكين قدوتين؛ يعني من الصالحين دعا لهما بقوله: أيدهما الله، وسائر الإخوان بروح منه، وكتب في قلوبهم الإيمان، أخذا من قوله تعالى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ وأدخلهم مدخل صدق. أخذا من الآية في سورة الإسراء: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ .
وجعل لهم من لدنه ما ينصر به السلطان: سلطان العلم، والحجة بالبيان، وهذا هو الأولى، سلطان العلم؛ يعني على الجميع أن ينصروا سلطان العلم؛ لأن به يظهرون على خصومهم، سلطان العلم، والحجة بالبيان والبرهان، وسلطان القدرة، والنصرة بالسنان والأعوام. كل هذا داخل في السلطان في قوله: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا السلطان هاهنا؛ يعني القوة، القوة على الخصوم بالعلم النافع، حتى يكون له حجة عليهم.
وجعله من أوليائه المتقين. دعاء لهم أن يكونوا من أوليائه أهل التقى. وحزبه الغالبين يعني في قوله تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ وفي قوله: أولئك حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
الغالبين لمن ناوأهم من الأقران؛ لمن خالفهم من أقرانهم الذين هم مثلهم قرناء لهم، ولكنهم مخالفون لهم. ومن الأئمة المتقين، الذين جمعوا بين الصبر والإيقان؛ لأنه جاء في أثر أن الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله. والله محقق ذلك منجز وعده بالسر والإعلان. يستعمل السجع؛ لأنه قد يكون أدل على قوته في الأسلوب.
الله تعالى وعد، ولن يخلف وعده في قوله: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ وفي قوله: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن في قوله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
إن هذا وعد من الله تعالى، ولكن قبل ذلك لا بد من الابتلاء، لا بد أن يبتلي أولياءه. الابتلاء الذي يبتلي به أولياءه لله تعالى فيه حكمة، منها اختبار الإيمان، واختبار قوة اليقين الذي في القلوب، ومنها البيان أنهم وإن كانوا على الهدى فلا بد أنه ينالهم ما نال غيرهم من الابتلاء والامتحان، ومنها أن يقتدوا بالأنبياء، وبأتباع الأنبياء الذين قتل بعضهم، وأخرج بعضهم، وأوذي بعضهم، وعذبوا، وأوذوا في سبيل الله تعالى، قال تعالى: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا يعني: أن هذه سنة الله تعالى، لا بد أن يبتلي بعض أوليائه حتى يعظم لهم الأجر.
جاء في حديث: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ابتلاهم ولو أن يسلط عليهم أعداءه وأعداءهم، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا .
وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أحبك، فقال: إن كنت صادقا فأعد للبلاء تجفافا؛ فإن البلاء أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منحدره يعني أن الذين يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن ينالهم بلاء كما نال غيرهم، وكما نال الأنبياء، فجاء في الحديث أنه: يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه، وإلا خفف عنه .
مضت سُنة الله تعالى في الابتلاء والامتحان الذي يميز به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، لا بد من هذا الامتحان وهذا الابتلاء؛ حتى يظهر الصادق من الكاذب.
قد دل كتاب الله تعالى على أنه لا بد من الفتنة لكل من ادعى الإيمان، لا بد أنهم يفتنون؛ حتى يثبتوا على الإيمان أو يرجعوا، فإن كانوا صادقين في إيمانهم زادهم ذلك ثباتا، وزادهم رسوخا وتمسكا بعقيدتهم وبدينهم، حصل ذلك للصحابة لما ابتلوا بالأحزاب الذين جاءوا عشرة آلاف من قريش وغطفان، والمشركين، وأحدقوا بالمدينة وضيقوا على أهل المدينة فعند ذلك قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ هذا من الابتلاء وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ولكن المؤمنين ثبتوا، أما المنافقون فلم يثبتوا؛ ولذلك قال: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ؛ يعدنا بأننا نفتتح خزائن كسرى وخزائن قيصر وأحدنا الآن لا يقدر على أن يقضي حاجته، محاط بنا من كل جهة مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْل يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا يعني على أي شيء تصبرون؟! فارجعوا عن هذا الدين، هذه حال أولئك الذين ما صبروا.
أما المؤمنون فصبروا قال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا المؤمنون حقا الذين صدقوا يقولون: نعم. قد أخبرنا بأننا سوف نبتلى، فهذا وعده سبحانه.
يقول: لا بد من الفتنة لكل من ادعى الإيمان، ولا بد من العقوبة لذوي السيئات والطغيان، ثم استدل بهذه الآيات من أول سورة العنكبوت: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ يقول: إذا قالوا: آمنا فلا بد أنهم يفتنون: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الأمم السابقة؛ لماذا؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ .
يعني: أنه سبحانه عالم بالذين اتقوا، وبالذين لم يكونوا من المتقين، ولكن أراد بذلك: أن يظهر معلومه، فليعلمن الله؛ يعني يظهر للناس من علم الله، أنهم من الذين صدقوا، وليعلمن الكاذبين في قولهم: آمنا؛ وذلك لأن المنافقين، حكى الله عنهم أنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ يعني: الذين يعملون السيئات في الخفية. سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ .
أنكر سبحانه على من يظن أن أهل السيئات يفوقون الطالب الغالب: وهو الله وحده، وأنهم يسبقون الله، وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة، لا بد أن من ادعى الإيمان فلا بد أن يكون هناك فتنة تميز بين الصادق والكاذب.
أخبر في كتابه: أن الصدق في الإيمان لا يكون إلا في الجهاد في سبيله، الصدق اليقيني يظهر بالجهاد في سبيله؛ ولهذا قال للأعراب: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يعني: أن هذا من جملة الامتحان، وقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا يعني إسلاما ظاهرا لا باطنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ أي ما استقر الإيمان في قلوبكم بل أنتم متزعزعون وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني: طاعة حقيقية. لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا أي: لا ينقصكم من أعمالكم بل يوافيكم أجور أعمالكم عاجلا، أو آجلا. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إنما المؤمنون حقا: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا يعني: الذين صدقوا في إيمانهم، ولم يداخلهم الريب. وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جاهدوا في سبيل الله بالمال وبالنفس أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .
وأخبر سبحانه بخسران المُنقلِب على وجهه عند الفتنة. الذي يعبد الله تعالى على حرف: وهو الجانب والطرف الذي لا يستقر من هو عليه، بل لا يثبت على الإيمان إلا عند وجود ما يهواه من خير الدنيا والآخرة في هذه الآيات في سورة الحج: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ يعني على طرف، لم يكن متمكنا قلبه من الإيمان فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ؛ ما دام في رخاء وفي سعة وفي رزق وفي أمن وفي غنى وفي كثرة مال فإنه يبقى على الإيمان؛ إذا أصابه خير اطمأن به.
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ إذا أصيب بمرض، أو بموت قريب له، أو بموت أمواله، أو بموت أولاده، أو افتتن بأن سلط عليه بعض الأعداء، أو أوذي، أو طرد، أو اضطهد، أو سمع كلاما سيئا، أو نحو ذلك يسب الإسلام، ويقول: ما لقينا في هذا الإسلام إلا الضرر، ما لقينا إلا الشر من حين دخلناه فنحن في نقص؛ أموالنا تذهب شيئا فشيئا، وأولادنا يمرضون، ونحن نخوف، وأموالنا تسلب، ويتسلط علينا أعداؤنا.
.. في غزوة أحد أن من الحكمة أنه يعلم الله تعالى ويظهر معلومه، يعلم المجاهدين ويعلم الصابرين، ويثيبهم على صبرهم، وكذلك مثل هذه الآية في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ الآن تتركوا، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ لا بد أنه يصيبكم مثل ما أصابهم.
ومثل هذه الآية في سورة محمد: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ فلا بد أن نبتليكم؛ حَتَّى نَعْلَمَ ؛ يعني حتى يظهر معلومنا المجاهدين والصابرين، ونبلغ أخباركم.
يذكر شيخ الإسلام هذه الآيات، يقول: إن هذا الابتلاء الذي سلط علينا إنما هو لأجل الصبر، لأجل أن يظهر من يصبر، فإذا وافقناهم، وأعطيناهم مطلبهم كان في ذلك نقص علينا، ونقص في ديانتنا؛ أننا لم نصبر، وأخبر سبحانه أنه عند وجود المرتدين لا بد من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أي: كلما حدثت بدعة فلا بد أن الله سبحانه وتعالى يقيم من يردها، أولئك الذين يردونها، يردون على المبتدعين، ويردون على المرتدين، هم الذين يحبهم ويحبونه، فنرجو أن نكون منهم.
هكذا يقول شيخ الإسلام: هؤلاء هم الشاكرون لنعمة الإيمان؛ يعني الذين يصبرون على البلوى أي: شكر الله تعالى واجب؛ حيث أنعم عليهم بالعلم، وبالعقيدة، وبالإيمان القوي.
الصابرين على الامتحان، وكما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وكما قال في هذه السورة: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ وفي رواية ( وكأين من نبي قتل ) مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا فهذا دليل على أنه لا بد من الامتحان.
يقول: فإذا أنعم الله على الإنسان بالصبر وبالشكر كان جميع ما يقضى له من القضاء خيرا له؛ كل ما قضى الله تعالى له من القضاء خير له، فكأنه يقول: نصبر فإن ذلك خيرا لنا. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن في أول الحديث: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله عجب إذا قضى الله تعالى له خيرا كان خيرا له إذا أصابته سراء كان خيرا له وشكر، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له .
فكأنه يقول: نحن نصبر على ما أصابنا، ونتحمل ما وقعنا فيه، ولو كان ذلك أذى وعذابا وتضييقا، ونحو ذلك. الصبّار الشكور: هو المؤمن الذي ذكره الله تعالى في غير موضع من كتابه في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ هو المؤمن.
ومن لم ينعم الله عليه تعالى بالصبر والشكر، فهو بِشَرّ حالٍ؛ إذا لم يصبر ولم يشكر، لم يصبر على البلوى، ولم يشكر في حالة الرخاء.
وكل واحد من السراء والضراء في حقه يفضي به إلى قبيح المآل؛ يعني إذا لم يكن من الصابرين الشاكرين فالسراء إذا أصابته طغى، والضراء إذا أصابته تضجر واشتكى إلى المخلوقين.
فكيف إذا كان ذلك في الأمور العظيمة التي هي محنة الأنبياء والصديقين؟ يعني مثل هذا الابتلاء الذي ابتلي به شيخ الإسلام.
محنة الأنبياء والصديقين، وفيها تثبيت أصول الدين، وحفظ الإيمان والقرآن من كيد أهل النفاق، والإلحاد والبهتان. ألا نصبر على هذا الابتلاء، الذي قد ابتلي به قبلنا الأنبياء.
فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا؛ يعني نحمد الله على ما قدر، كما يحب ربنا ويرضى، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والله المسئول أن يثبتكم، وسائر المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، يدعو الله تعالى لهؤلاء، وأن يتم نعمه عليكم الظاهرة والباطنة، التي ذكرها في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
وأن ينصر دينه، وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين على الكافرين والمنافقين الذين أمرنا بجهادهم، والإغلاظ عليهم في قوله: جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ في كتابه المبين. انتهى ما نقله من كلام أبي العباس رحمه الله في الرسالة المذكورة وهي طويلة.