الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88142 مشاهدة
مراتب الإسرائيليات وأحكامها

ثم ذكر أن الإسرائيليات على ثلاثة أقسام ، وذكر هذه الأقسام، وقد ذكرها أيضا ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فإن هذه الآية ذكرت فيها قصص غريبة منقولة عن كتب بني إسرائيل؛ فيقول ابن كثير ولعله نقله من رسالة شيخه ابن تيمية ؛ فإنه شيخ له: إنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، يعني: جاء تصديقه في القرآن أو تصديقه في السنة؛ يعني شهد له القرآن أو شهدت له السنة، فهذا نصدقه.
ومع ذلك يكون الاعتماد على الكتاب والسنة، ويكون قبوله كترجيح وتأنيس، وقد يكون فيه شيء من التفاصيل. فأما التفاصيل التي يذكرونها تفصيلا لبعض المجمل؛ فالغالب أنها من الحكايات التي لا أصل لها، أو أنها من التأريخ الذي دخله التغير. وقد نقل كثيرا منها ابن جرير عند تفسير قول الله تعالى في سورة الإسراء: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا إلى آخر الآيات. فإنه نقل عنهم حكايات كثيرة في قصص بني إسرائيل في الإفساد الأول والثاني لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ .
يقول: القسم الثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه، يعني تحققنا أنه كذب، وتحققنا أنه لا أصل له، دلت أصولنا، ودلت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كذب، مثل ما يذكرون في قصة عوج بن عنق وأن طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع، وأن موسى طوله ست عشرة ذراعا، وطول عصاه عشرة أذرع، وأنه قفز عشرة أذرع ليضرب عوج ولم تصل الضربة إلا إلى كعبه.
كل هذا لا أصل له، كيف عرفنا كذبه؟ من الحديث النبوي؛ حيث ذكر وقال: إن آدم لما خلقه الله كان طوله ستين ذراعا ثم قال: فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن أخبر النبي عليه السلام أن أطول الناس هو آدم وأن ذريته صاروا ينقصون إلى هذا الوقت، فكيف يقال: إن هذا طوله كذا وكذا؟ فهذا يكذبه ما جاء في هذه السنة. فهكذا نبه ابن كثير في تفسيره.
القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه؛ لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، لا نجد ما يصدقه ولا نجد ما يكذبه، فهذا لا نؤمن به تصديقا ولا نكذبه، وإنما تجوز حكايته للاعتبار لا للاعتقاد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أن نحدث به وقال: حدثوا عن بني إسرائيل؛ فإنه كان فيهم الأعاجيب يعني فيهم حكايات وأعاجيب.
لكن غالب ذلك كما ذكر الشيخ رحمه الله مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، قد يكون فيها عبرة؛ مثل ما ذكروا في قصة الرجل الذي أجمل في القرآن في قوله تعالى في سورة الأعراف: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ .
ورد تسميته أنه بلعم بن باعوراء ثم في هذه القصة عبرة؛ لأن الله قال: آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ إلى آخر القصة. وكذلك أيضا جاء في الإسرائيليات له قصص، يعني: ما معنى انسلاخه؟ وكيف انسلخ؟ وكيف آتاه الله آتاه آياته؟ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا وما هي الآيات التي آتاه الله؟ وما سبب انسلاخه؟
في ذلك قصص مختلفة مما يدل على أنها ليس عليها دليل؛ فنأخذ ما جاء في القرآن مجملا. أما اتفاقهم على أن اسمه بلعم فيقبل لأن ذلك ليس فيه فائدة دينية.