لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88172 مشاهدة
ورع عبد الله بن عباس

وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم من مشايخه يقال له: الدورقي في الظاهر قال: حدثنا ابن علية يعني: إسماعيل عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، مع أن ابن عباس قد فتح الله تعالى عليه؛ ومع ذلك توقف في هذه الآية يقول: آية من القرآن لو سئلها أحدكم لتجرأ، وقال فيها وأفتى فيها بما يراه، ومع ذلك توقف فيها ابن عباس .
يقول: لو سئل عنها بعضكم، لقال فيها فأبى أن يقول فيها، هذا إسناد صحيح، ثم ذكر أيضا عن أبي عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة سأل رجل ابن عباس عن قول الله تعالى: فِي يَوْمْ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فقال ابن عباس فما فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه، الله أعلم بهما، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
ولا شك أن ظاهر السياق يدل على أنه يوم القيامة؛ لأن الله تعالى قال: وَإِنَّ يَوْمَاً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي: ذلك اليوم الذي هو يوم القيامة، وقال أيضا في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا ؛ يعني: ذلك اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، يستبعدونه ويظنون أنه لا يأتي، وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: نرى أنه قريب ونخبر بأنه قريب؛ يعني يأتي قريبا إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ .
وقد تكلم العلماء على هذين اليومين؛ فمنهم من يقول: إن هذا الطول ذطول بحسب ما يقدره بعض الناس؛ يعني بعض الناس يكون هذا اليوم طويلا عليه بحيث إنه يرى أنه قدر خمسين ألف سنة، وبعضهم يرى أنه قدر ألف سنة. وذكر بعض المفسرين -كصاحب الجلالين- أنه أخف على المؤمن من صلاة مكتوبة؛ يعني: لا يحس بطوله، قالوا: لأن أيام الحزن طوال وأيام الفرح قصار، بمعنى: أن الإنسان يستطيل اليوم الذي إذا كان فيه معذب، يستطيل انتهاء ذلك اليوم إذا كان مثلا في سجن أو في عذاب فإنه يستطيل اليوم بل يستطيل الساعة، وتكون عنده كأنها أيام أو كأنها أشهر؛ بخلاف أيام الفرح وأيام السرور فإنهم يستقصرونها.
ومع ذلك فإن الذي يمر به أيام فرح ثم يأتي بعده أيام حزن يتلاشى ما كان فيه، وما كان عرفه من أيام تلك الفرحة ونحوها، ولو كانت سنوات ولهذا يقول بعضهم:
مسـرة أحقـاب تلقيـت بعدهـا
مسـاءة يوم إنها شبه أنصــاب
فكـيف بأن تلقى مسرة ساعـة
وراءك تقضيها مسـاءة أحقـاب
أما اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة؛ فلا شك أن ظاهر السياق يدل على أنه يوم القيامة، ويمكن أنه يوم قبل خلق السماوات والأرض . والله أعلم.