الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
الموقوف والمرسل والغريب والمنقطع
وَمَا أَضَفْتهُ إلى الأَصْحاَبِ مِنْ | قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ موقوفٌ زُكِن |
وَمُرْسلٌ مِنهُ الصّحَابيُّ سَقَطْْ | وقل غريبُ ما روى راوٍ فقطْ |
وَكُلُّ مَاَ لـَمْ يَتَّصِلْ بـِحـالِْ | إسنادُهُ مُنْقـطِع الأَوصـَـال |
الحديث الموقوف رأس>
(والموقوف) هو ما وُقِفَ على الصحابي ، فإذا وقف الإسناد إلى الصحابي ولم يتجاوزه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو موقوف، أي: هو من كلام الصحابة، ويكثر هذا في الكتب التي تعني بكتابة الآثار، كمصنف ابن أبي شيبة اسم> وسنن الدارمي اسم> ومصنف عبد الرزاق اسم> وسنن سعيد بن منصور اسم> يذكرون فيها أشياء كثيرة من الموقوفات على الصحابة، ومن الموقوفات على التابعين، فكل ما أضيف إلى الصحاب، يعني: الصحابة، فهنا عبَّر بالصحاب عن الصحابة يُقال لهم: أصحاب وصحب وصحابة وصحاب، وسواء كان ذلك المروي من قولهم أو من فعلهم، كفعل أحدهم أمرا من الأمور، يُقال: فعل عثمان اسم> كذا فهذا موقوف، أو قال عمر اسم> كذا وكذا فهذا موقوف .
(زُكِن) يعني عُرِفَ وحققَ أنّ هذا هو الموقوف حقا، وكثيرا ما تكون الموقوفات في كتب المتقدمين كالدارمي اسم> وعبد الرزاق اسم> ومالك، اسم> ثم يخطئ فيها كثير من المتأخرين فيرفعونها، وكثيرا ما يقول الترمذي اسم> وغيره: هذا الحديث موقوف، رفعه فلان فأخطأ فيه، أو غلط فرواه مرفوعا، والصحيح أنه موقوف على عائشة اسم> أو موقوف على ابن عباس اسم> أو نحو ذلك.
وقد ذكرنا سابقا أن الموقوف قد يكون له حكم المرفوع، فيما إذا كان ذلك الصحابي لا يأخذ عن الإسرائيليات، وكان كلامه لا يُقال مثله بالرأي، فإذا تكلم بكلام من أُمور الآخرة حُمِلَ على أنه تلقَّاه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو مثلا أخبر بثواب، فإنه محمول على أنه مرفوع حكما لا لفظا، هذا هو الموقوف .
الحديث المرسل رأس>
وبعده قال:
(ومرسل منه الصحابي سقط...).
المرسل: ما رفعه التابعي إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- والتابعي هو الذي لقي الصحابة، فإذا قال سعيد بن المسيب: اسم> قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال عطاء بن أبي رباح: اسم> قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو المرسل.
وقوله:
(منه الصحابي سقط).
أي في الظاهر، ولكن لو تحققنا أنه لم يسقط منه إلا الصحابي لقبلناه؛ لأن الصحابة عدول، لكن نخشى أن يكون سقط قبل الصحابي تابعي ضعيف، فلأجل ذلك يكون المرسل ضعيفا، والتعبير السليم أن يقال: إن المرسل ما رفعه التابعي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسبب رده الجهل بالساقط؛ لأنا لا ندري هل هو صحابي فنقبله أو هو تابعي، فإن كان تابعيا فقد يكون ضعيفا، وإن كان ثقة فلا ندري هل أخذه من صحابي فيقبل، أو أخذه من تابعي آخر، فإذا أخذه من تابعي آخر فقد يكون ضعيفا فيرد، وإذا كان قويًّا فهل أخذه من صحابي أو من تابعي ثالث، فقد يأخذ بعض التابعين من بعض إلى ثلاثة أو أربعة، فلأجل احتمال أنه أخذه عن تابعي ضعيف يتوقف في قبول المرسل .
ويستثنى من ذلك مراسيل سعيد بن المسيب اسم> قالوا: لأنها تُتُبِّعَتْ فوجدت مسانيد، فهو لا يرسل إلا عن ثقة، أو عن صحابي وكذلك إذا تحقق أن هذا المرسل قد أرسله ذلك التابعي عن جَمْعٍ من الصحابة؛ لأن التابعي قد يسمع الحديث من عشرة من الصحابة، فيجزم به، ويقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فهنا إذا يقبل.
الحديث الغريب رأس>
قوله:
(وقل غريب ما روى راوٍ فقط...).
هذا تعريف الحديث الغريب، بأنه ما ليس له إلا إسناد واحد وأكثر من يستعمله الترمذي اسم> في جامعه حيث يقول: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث فلان، أو من رواية فلان، فإذا رواه مثلا عن الصحابي تابعي، وعن التابعي تابعي آخر، وعنه تابعي ثالث، ثم رابع، ثم آخر، وهؤلاء انفردوا به لم يتابعهم أحد فنسمي هذا حديثا غريبا، وقد يشتهر بعد ذلك كحديث عمر اسم> رسم> إنما الأعمال بالنيات متن_ح> رسم> فإنه غريب في أوله ما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عمر اسم> ولا رواه عن عمر اسم> إلا علقمة بن وقاص، اسم> ولا رواه عن علقمة اسم> إلا محمد بن إبراهيم التيمي، اسم> ولا رواه عن التيمي اسم> إلا يحيى الأنصاري اسم> فهو غريب في أوله، ثم اشتهر عن يحيى اسم> فأصبح متواترا في آخره .
ومن أمثلة الغريب حديث أبي هريرة اسم> رسم> إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه متن_ح> رسم> فإنه ما رواه إلا أبو هريرة اسم> ولا رواه عن أبي هريرة اسم> إلا الأعرج اسم> ولم يروه عنه إلا أبو الزناد، اسم> ولا رواه عن أبي الزناد اسم> إلا محمد بن عبد الله بن الحسن، اسم> ولا رواه عن ابن الحسن اسم> إلا الدراوردي، اسم> فيكون هذا حديثا غريبا وإن كان قد رُوي من طرق أخرى بغير هذا اللفظ، والغرابة تدل على ضعف الحديث فيقولون في تعبيراتهم: لا يأتيك بالغريب إلا الغريب، ويقال: فلان يأتي بالغرائب، فلان أحاديثه غريبة، أي: يأتي بأحاديث ما رواها غيره، فانفراده يدل على ضعفه وضعف روايته، هذا هو الغريب أي ما ليس له إلا إسناد واحد.
الحديث المنقطع رأس>
وقوله:
(وكلُّ ما لَم يتَّصِل بِحَال ... إسناده منقطعُ الأوصال).
هذا تعريف المنقطع، وقد ذكرنا أن الإسناد إما أن يكون فيه انقطاع في أوله وهو المعلق، أو من آخره وهو المرسل، أو من وسطه، فإن كان باثنين متواليين فهو المعضل، وإن كان باثنين غير متواليين فالمنقطع، وكذلك إن كان الساقط واحدا فهو المنقطع.
كيف يعرف الانقطاع في الإسناد:
وكيفَ تَعرِفُ الانقطاع؟ تعرفه بالرواة عن هذا الشيخ، تقول مثلا : هذا الشيخ لم يرو عنه إلا فلان وفلان، فإذا وجدت إنسانا لم يُذكر في تلامذته عرفت أنه لم يرو عنه، فإنك كثيرا ما تجد في تراجم الرواة إحصاء تلاميذ الشيخ وإحصاء مشايخه كما في كتاب: (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) للمِزِّي اسم>
إذا قال مثلا : إسرائيل بن أبي إسحاق السبيعي اسم> روى عن فلان وفلان وفلان وفلان، فيحصي مشايخه الذين روى عنهم ثم يقول: وروى عنه فلان وفلان وفلان،فيحصي تلاميذه الذين رووا عنه، ولو زادوا على المائة أو على المائتين، فأنت إذا رأيت شخصا قد روى عن إسرائيل اسم> فانظر هل ذكره صاحب تهذيب الكمال، فإذا لم يذكره ولم يذكره غيره دلَّ على أنه ليس من تلاميذه وأنه ما أدركه، أو أنه روى عنه بواسطة فأسقط تلك الواسطة، فيكون الإسناد منقطعا.
فالإسناد المنقطع هو الذي فيه سقط، وقد يعرف السقط بعدم المعاصرة، وذلك يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، فإذا رأيت مثلا وكيع بن الجراح اسم> الذي وُلِدَ قبل موت الزهري اسم> بسنة أو سنتين عرفت أنه ما روى عنه، أي: كيف يروي عنه وهو ابن سنة أو سنتين، يعني أن هذا ولادته في سنة كذا، وهذا وفاته في سنة كذا، وبينهما سنة أو سنتان فلان يمكن أن يروي عنه، وهكذا بعض المحدثين قد يروي عن شخص بواسطة ويسقط من روى عنه، ويقع ذلك كثيرا في أولاد بعض الصحابة الذين ما أدركوا آباءهم ورووا عنهم كأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود اسم> روايته عن أبيه منقطعة؛ لأنه مات وهو صغير فما عقله، ومع ذلك روى عنه كثيرا، ولكن روايته محمولة على أنه أخذها عن أهل بيته أو عن تلامذة أبيه، فتكون منقطعة، فالمنقطع هو: ما سقط فيه راوٍ أو أكثر مع عدم التوالي، هذا من حيث الاصطلاح، وإلا فهو يعم كل ما لم يتصل، على ظاهر النظم.
مسألة>