القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
24389 مشاهدة
بحث في أهمية الحسبة في إقامة الشرائع والتحذير من الشرك

ثم معلوم أيضا أن فروع الشرائع تعتبر من العبادات. وكذلك فروع الشرك تعتبر من المحرمات وتعتبر من المنكرات فتتبع ذلك في الاحتساب والأمر والنهي، فيقال: من دعا إلى التوحيد، دعا إلى الصلوات دعا إلى الصدقات، ودعا إلى الجماعات ودعا إلى الزكوات وأداء الواجبات فيها وأجل أداء النفقات المعنية، ودعا إلى حفظ الصيام والمحافظة عليه وحفظ الحج والعمرة وما يتصل بهما وحفظ الجهاد وما أشبهه، فإن هذا كله من فروع التوحيد ومن مكملاته؛ لأن هذه من أنواع العبادة التي تدخل فيما أمر الله به في قوله تعالى: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
فهذه من العبادات يقال: إذا عرفنا أن التوحيد هو إخلاص العبادة فإننا نأمر بتكميل العبادات كلها وتحصيلها حتى يكون صادقا في أنه عَبَدَ الله تعالى بما شرعه وبما أمر به، ويضاف إلى ذلك أيضا العبادات المستحبة التي هي من جنس العبادات الواجبات فكلها داخلة في المعروف وتركها أو التساهل بها يؤدي إلى عدم الاهتمام بحق الله تعالى.
شرع الله تعالى الفرائض وشرع من جنسها نوافل، فقال تعالى في الترغيب في العبادات: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً هذا من النوافل يعني الزيادة في الدعاء تضرعا وخفية فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ هذا من الفرائض إخلاص الدين لله تعالى.
شرع الله تعالى جنس الصلوات خمس صلوات هذه من الفرائض، وشرع من جنسها نوافل، ومدح الذين يحبونها ويحسنونها والذين يتمسكون بها ويكثرون منها، مثل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يعني جنس صلاة الليل وجنس النوافل النهارية والليلة.
نقول: إنها كلها من الأمر بالمعروف الأمر بها أمر بالمعروف لأنها مما يحبه الله تعالى ومن كمال عبادة الله وحده، فإذا عرفنا أن الفرائض التي أمرنا بها من جنسها نوافل نأمر بهذه ونأمر بهذه، وهكذا أيضا يقال في بقية الفرائض؛ يعني مثل فريضة الصلاة هناك صلوات مكتوبة، فريضة الزكاة هناك زكوات وصدقات غير مكتوبة يعني زائدة على ما هو فرض، ومثل فريضة الصيام يتقرب بجنسها وكذلك فرائض الذكر يتقرب بجنسها، والحاصل أن جنس هذه والمواظبة عليها من جنس ما يحبه الله تعالى وما يدعو إليه وما رغب فيه.
كذلك أيضا إذا عرفنا ما يتعلق بالمعروف فكذلك أيضا نعرف أن من جنس ذلك أيضا ما يتعلق بالمنكر؛ فإن المنكرات الشركيات والبدع والمعاصي والمحرمات من المآكل ومن المشارب وما أشبهها لا بد أن يتجنبها المسلم كلها.
فيبدأ مثلا بالنهي عن الشرك، ثم بعد ذلك يقال من تمام ذلك النهي عن البدع، ومن تمام ذلك النهي عن المعاصي فإن الشرك والتوحيد متضادان وإن البدع قادحة في عبادة المسلم قادحة فيها وسالبة لها ومبطلة لأجرها، وإن المعاصي منقصة لثوابها فلا يتم الاحتساب إلا بها كلها؛ يعني بترك البدع والمعاصي زيادة على ترك الشركيات.
فمعروف أن المعاصي متنوعة والبدع أيضا متعددة، ويقولون: إن البدع أحب إلى الشيطان من المعاصي لأن المبتدعة يتمسكون ببدعهم معتقدين أنهم على الصواب، وأن الحق في جانبهم، وأنهم أولى بأن يكونوا على الحق وعلى الدين.
فلأجل ذلك يُسعى كثيرا في النهي عن البدع والتحذير منها سواء البدع العقدية أو البدع العملية؛ يكثر الدعاة إلى أنواع البدع الاعتقادية.
فيوجد مثلا أن المعطلة الذين ينفون الصفات يدعون إلى بدعتهم، ويسمون من يدعو ومن يتمسك بالسنة كإثبات أسماء الله تعالى وصفاته يسمونهم حشوية ومجسمة وغثاء وغثرا ونوابت وما أشبه ذلك، جهاد هؤلاء ودعوتهم من أوجب الواجبات.
وكذلك أيضا الذين يسهلون أمر الذنوب ويدعون أن المعاصي لا تضر الموحد وهم الذين يسمون المرجئة، جهادهم دعوتهم والتحذير من عقيدتهم وإبطال شبهاتهم حتى لا تتمكن من النفوس.
كذلك أيضا الذين يكفِّرون بالذنوب ويخرجون المسلم ولو عاصيا من الإيمان بمجرد المعصية، وهم الخوارج أو الوعيدية ونحوهم، جهادهم أيضا واجب؛ بدعتهم بدعة كبيرة؛ وذلك لأنهم يؤيسون العصاة من التوبة ويكفرونهم ويستحلون دماءهم وأموالهم ويحكمون بتخليدهم في النار والعياذ بالله.
فلا شك أن جهادهم وأن دعوتهم من أوجب الواجبات، وهكذا يقال في بدعة الروافض وفي بدعة المتصوفة وفي بدعة القبوريين الغلاة في أهل القبور والأموات وما أشبههم، فإذا عرفنا أن الدعوة إلى الله تعالى التي هي دعوة الرسل جاءت بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، والدعوة إلى السنن والنهي عن البدع، والدعوة إلى الطاعات والنوافل والنهي عن المعاصي فإن علينا أن نحتسب ونأتي بما نقدر عليه من هذه الأمور؛ يعني نحتسب الدعوة إلى الله تعالى ونأمر بما نقدر عليه من الطاعات والعبادات، ونحافظ على ما نقدر عليه من السنن والنوافل، وأهم شيء الدعوة إلى ترك المعاصي والمحرمات التي كثرت وقل من ينتبه لها، بل وكثر الذين يدعون إليها ويحبذونها ويوسعون المجال فيها، وقلَّ من ينتبه لهم ويرد عليهم ويبطل دعاياتهم.