جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
shape
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
30514 مشاهدة print word pdf
line-top
بحث في قوة الصحابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولا شك أن كلما كانت الأمة أو كلما كانت الجماعة أو القرية متمسكة بالإسلام حق التمسك مظهرين للحق ومنكرين للباطل ومبتعدين عن الشرور ومظهرين لحقوق الله تعالى ولحدوده، فإن ذلك عنوان قوتهم وتمكنهم وسيطرتهم؛ ولذلك قال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ يعني هؤلاء هم الذين يمكّن الله تعالى لهم وينصرهم ويقويهم ويظهرهم على من عاداهم وينصرهم نصرا مؤزرا.
وهذا هو ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم لما أقاموا شرع الله وقاموا بحدوده ولما تمكنوا؛ لما أنهم صارت لهم قوة صاروا يدعون إلى الله ويأمرون بالخير وينهون عن الشر ويقيمون الحدود وينفذون الأوامر ولا يخافون في الله لومة لائم؛ كما وصفهم الله قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
هكذا أمرهم ووصفهم وأخبر عنهم بهذه الصفات؛ ومنها أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، بل ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما ذكر له أن أحد أولاده كان يشرب شرابا يقال له الطلاء، لم يكن مسكرا ظاهر الإسكار، ولكن خاف أن يكون به شيء من النشوة أو أن يكون دافعا لم يقنع إلا أن يجلده جلد شارب الخمر.
وكذلك أيضا لما ذكر له أن بعضا من المسلمين في بعض البلاد الإسلامية شربوا الخمر، وتأولوا قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وتأولوا أننا إذا شربنا وطعمنا فلا حرج علينا إذا آمنا واتقينا؛ فأرسل إليهم أو أمر الوالي هناك في مصر فقال: إن أصروا على ذلك كفروا، وإن اعترفوا بذنبهم فسقوا؛ أمره أن يقتل من أصر على الاستحلال؛ إن اعتقدوا استحلالها وأنها حلال كفروا، وإن اعترفوا بأنها حرام ولكنهم متأولون لشربها فسقوا، وأمر بجلدهم ولو كانوا من أولاد الصحابة أو من أقاربهم.
فلا شك أن هذا دليل على أنهم اهتموا بأمر المسلمين وسعوا في إصلاحهم وحرصوا على أن يقيموا حدود الله وأن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نصرهم الله، ففي عهد عمر بن الخطاب الذي كانت خلافته عشر سنين ننظر كيف امتد الإسلام، فأولا انتشر الإسلام في الجزيرة في بلاد العرب وفتحت اليمن كلها ومن حولها وفتحت اليمامة والبحرين والسواحل كلها، وما على الخليجين.
وكذلك أيضا امتدت الفتوحات في الشمال وفي الغرب وفتح الشام ومصر بأكمله وفتح العراق وامتدت الفتوحات في خراسان ووصلوا إلى حدود الترك، وما إلى ذلك كل ذلك في هذه المدة القصيرة.

line-bottom