الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
30594 مشاهدة print word pdf
line-top
عظم أجر المحتسب

موضوع الحسبة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الاحتساب في الولايات التي يتولاها المسلم، ويقصد بها نفع المسلمين فيدخل في ذلك كل ولاية دينية يقصد منها نفع الإسلام وأهله، ولكن إذا كان موظفا حكوميا يتقاضى على ذلك مرتبا ورزقا كان عمله آكد وكانت مسئوليته أكبر، فإذا كان محتسبا فالغالب أن نفعه يكون أكثر كما أن أجره يكون أعظم؛ إذا احتسب الإنسان مثلا بالتعلم أو بالتعليم كان نفعه أكثر وأجره أكثر إذا احتسب الإنسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطوع لله في ذلك كان عمله خالصا لله وكان الأجر عليه أكثر.
وذلك لأن الذي لا يكون كذلك يخشى أن يكون عمله لغرض دنيوي فيفسد عليه قصده ونيته، كذلك أيضا إذا احتسب وجاهد في سبيل الله بدون أن يأخذ على ذلك رزقا أو يأخذ على ذلك جراية أو نفقة كان أجره أكبر إذا كانت نيته صالحة، كما سمعنا في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يجاهد حمية ويجاهد للمغنم ويجاهد رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهذا هو المحتسب الذي قاتل في سبيل الله لا لدنيا، ولكن للدين طلب الأجر من الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر.
ويقال كذلك فيمن سعى في الإصلاح بين الناس يقال هذا محتسب؛ حيث إنه يسعى في إصلاح المجتمعات ويصلح بينهم عندما يكون هناك شقاق أو نزاع أو نحو ذلك، ويقال كذلك في المحتسب الذي ينصح العصاة ويردهم إلى الصواب؛ إذا رأى مثلا من يترك الصلاة نصحه إذا رأى من يشرب الدخان، إذا رأى من يحلق اللحية مثلا أو يسبل الثياب، إذا رأى من يتعاطى مسكرا إذا رأى من يسبل ثيابه ونحو ذلك، كذلك جميع المعاصي فيأتي إلى هذا ويقول: سمعت أنك هاجر أخاك، سمعت أنك قاطع رحمك، سمعت أنك عاق لأبويك ولأقاربك وما أشبه ذلك، فاحتسابه ونصحه ودعوته تعتبر من الأجر الكبير مما يترتب عليه الأجر. كذلك أيضا احتسابه في الدعوة إلى الطاعات؛ الدعوة إلى العبادات وإلى الصلوات وإلى النفقات في وجوه الخير وما إلى ذلك، كل ذلك إذا احتسب الأجر فإن الله تعالى يثيبه على ذلك ثوابا عظيما.
أما الذي يقتصر على نفسه، ويقول: لست مسئولا ولست مكلفا والأمر قد وكل إلى غيري وهناك من وكل إليه القضاء، وهناك من وكل إليهم الإصلاح، وهناك من وكلت إليهم الدعوة، هناك من وكل إليهم التعليم وما إلى ذلك؛ فيرى المعاصي وأهلها ولا يدعو إلى تركها ولا يأمر بتركها ويرى المنكرات ويرى ترك الطاعات، نقول: إن هذا بلا شك قد ترك شيئا حقا عليه ولو لم يكن فرضا لكن فاته الاحتساب فاته الأجر الذي يترتب عليه، فإن من فعل ذلك محتسبا حصل له أجر وأما من فعله كأداء وظيفة فإن أجره تعجله وهو ما أخذه مقابل عمله من الحطام ومن الأجرة الدنيوية.
ففرق بين المحتسب الذي يفعل هذه الأعمال طواعية لله وطلبا للأجر، وبين غير ذلك ممن يفعله طلبا لما عند الله تعالى، فهذا هو موضوع هذه الرسالة ويأتينا تفصيلها في مواضع إن شاء الله في الولايات وما يجب على كل وال في عمله الذي ولي إليه.

line-bottom