يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21029 مشاهدة
بحث في: عمل الحسبة في التسعير

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- قد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين: إحداهما: إذا كان للناس سعر غال فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك فإنه يمنع منه في السوق في مذهب مالك وهل يمنع النقصان؟ على قولين لهم. وأما الشافعي -رحمه الله تعالى- وأصحاب أحمد كأبي حفص العكبري والقاضي أبي يعلى والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم فمنعوا من ذلك.
واحتج مالك بما رواه في موطئه عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا.
وأجاب الشافعي وموافقوه بما رواه فقال: حدثنا الدراوردي عن داود بن صالح النمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرها؟ فسعّر له مُدَّين لكل درهم، فقال له عمر قد حدِّثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبًا وهم يعتبرون سعرك، فإما أن ترفع السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت.
فلما رجع عمر -رضي الله عنه- حاسب نفسه، ثم أتى حاطبًا في داره فقال: إن الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، قال الشافعي وهذا الحديث مقتضاه ليس بخلاف ما رواه مالك ولكنه روى بعض الحديث أو رواه عنه من رواه، وهذا أتى بأول الحديث وآخره، وبه أقول؛ لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها أو شيئًا منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها.
قلت: وعلى قول مالك قال أبو الوليد الباجي الذي يؤمر من حط عنه أن يلحق به هو السعر الذي عليه جمهور الناس، فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمروا باللحاق بسعر الجمهور، لأن المراعى حال الجمهور، وبه تقوم المبيعات، وروى ابن القاسم عن مالك لا يقام الناس لخمسة. قال: وعندي أنه يجب أن ينظر في ذلك إلى قدر الأسواق، وهل يقام من زاد في السوق أي: في قدر المبيع، بالدرهم مثلًا كما يقام من نقص منه؟ قال أبو الحسن بن القصار المالكي اختلف أصحابنا في قول مالك ولكن من حط سعرًا فقال البغداديون: أراد من باع خمسة بدرهم والناس يبيعون ثمانية.
وقال قوم من المصريين: أراد من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة. قال: وعندي أن الأمرين جميعًا ممنوعان؛ لأن من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة أفسد على أهل السوق بيعهم، فربما أدى إلى الشغب والخصومة، ففي منع الجميع مصلحة. قال أبو الوليد ولا خلاف أن ذلك حكم أهل السوق.
وأما الجالب ففي كتاب محمد لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون الناس. وقال ابن حبيب ما عدا القمح والشعير إلا بسعر الناس وإلا رفعوا، قال: وأما جالب القمح والشعير فيبيع كيف شاء، إلا أن لهم في أنفسهم حكم أهل السوق، إن أرخص بعضهم تركوا، وإن كثر المرخص قيل لمن بقي: إما أن تبيعوا كبيعهم وإما أن ترفعوا.
قال ابن حبيب وهذا في المكيل والموزون: مأكولًا أو غير مأكول، دون ما لا يكال ولا يوزن، لأن غيره لا يمكن تسعيره، لعدم التماثل فيه. قال أبو الوليد يريد إذا كان المكيل والموزون متساويًا، فإذا اختلف لم يؤمر بائع الجيد أن يبيعه بسعر الدون.


يتكلم -رحمه الله- عن التسعير؛ وهو أن يحدد الإمام أو وكيله للناس سعرا في الأسواق، لا يبيعون بأرخص منه فيتضرر أصحاب السلع المجلوبة، ولا بأغلى منه فيتضرر المستهلكون الذين يرغبون الشراء؛ بل يحدد لهم سعر هذا هو ما يسمى بالتسعير.
وقد وردنا حديث في النهي عنه: أنه غلا السعر في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله سعّر لنا قال: إن الله هو المسعر القابض الباسط وإني لأرجو أن أخرج من الدنيا وليس أحد يطلبني بشيء ومعنى ذلك أنه إذا تدخل في أهل السلع وفرض عليهم سعرا فقد يكون في هذا ضرر, ضرر على المستهلك إذا كان رفيعا، وضرر على البائع إذا كان قد اشترى غاليا وألزم بأن يبيع رخيصا.
ولكن رأى العلماء أن هناك مصلحة تقتضي التدخل في ذلك، ورووا هذه الآثار عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة الذين رأوا هذا الفعل الذي هو تحديد سعر لسلعة أو للسلع ونحوها، وبالأخص السلع التي يحتاج إليها الناس كثيرا وهي الأغذية والأكسية وما أشبهها، فإنها من الضروريات في هذه الحياة والأكثرون الذين يستهلكونها قد يكونون من ذوي الحاجات ومن الفقراء، وهي لا بد من الحصول عليها لا بد من شرائها لأجل التغذي بها.
فقد يكون في وقت من الأوقات الباعة أهل جشع وأهل طمع شديد فيتفقوا على أن يرفعوا السعر، فيتضرر المشتري الذي يريد الاستهلاك، أو يتفقوا على أن يخفضوا من السعر فيتضرر أهل الإنتاج الذين يجلبونها والذين يتعبون في استخراجها وإنتاجها، فيكون عليهم ضرر فيحصل بعد ذلك كساد في هذه السلع، وعدم اهتمام بإنتاجها فيما بعد.
فمثال ذلك في هذه الأزمنة: أنه يحدث أن كثيرا من أهل الإنتاج؛ إما أهل المصانع وإما أهل المزارع وما أشبهها إذا جلبوا إلى الأسواق؛ يتفق أهل الأسواق على أنكم لا ترفعوا السعر، وأنكم لا تشتروا إلا بسعر كذا وكذا، فإذا جلبت هذه المنتجات ثم لم يرتفع سعرها ولم ترد قيمة تعبها ولا نصفه ولا ربعه، وحصل على أهل المزارع وأهل الإنتاج خسارة فادحة كان ذلك سببا لعدم اهتمامهم بذلك في الأزمنة المتقدمة؛ كتقليلهم من هذا الإنتاج مما يسبب ارتفاع السعر على المستهلكين في السنوات المقبلة؛ فيحصل بذلك ضرر، يحصل ضرر أولا على أهل الإنتاج بكسادها في تلك السنة، ثم لا يهتمون بإنتاجها في السنة القابلة فيرتفع السعر جدا فيتضرر الذين ينتجونها، وهذا واقع.
كذلك أيضا الاتفاق على رفع الأسعار؛ يحدث أيضا أن كثيرا من الباعة يشترونها رخيصة، ثم بعدما يملكونها يتفقون فيما بينهم على رفع قيمتها، حتى إذا طلبها المستهلك لم يجدها إلا عند أناس قد تحجروها واختصوا بها فلا يجدها إلا بثمن مرتفع بسعر رفيع مما يتضرر به؛ حيث يبذل فيها مع كونها ضرورية ثمنا كثيرا، لا شك أيضا أن هذا ضرر.
فلا مانع من أن يتدخل الحاكم أو ولي الأمر أو وكيله في تحديد هذه السلعة سواء المجلوبة أو المطلوبة، استثنوا من ذلك ما اشتهر من النهي عن بيع حاضر لباد، وقالوا: ورد الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وأبطلوا هذا الفعل إذا اجتمع فيه خمس صفات:
الصفة الأولى: كون الجالب قادما لبيع سلعه سواء كانت قوتا أو حيوانا أو فواكه أو نحو ذلك جاء لبيعها، أما إذا جاء ليخزنها أو ليستعملها فإنه لا يدخل في النهي.
الشرط الثاني: عزمه على بيعها بسعر يومها الذي تساويه، أما إذا لم يجزم ببيعها في ذلك اليوم بل سوف يتأنى بها ويصبر عليها مدة؛ يعني يومين أو ثلاثة حتى يبيعها على مهل ففي هذه الحال لا يدخل في النهي.
الشرط الثالث: أن يقصده صاحب البلد يأتي إليه ويقول: أنا أعلم منك فأعطني لأبيعها لك وأتولى بيعها؛ فأني أعرف منك، أما إذا جاء هو إلى صاحب البلد ووكله على البيع فإنه لا يدخل في النهي.
والشرط الرابع: إذا كان الجالب جاهلا بالأسعار لا يدري ما تساوي فإنه -والحال هذه- هو الذي ينهى عن البيع له، وأما إذا كان عالما بالأسعار وعارفا بقيم السلع فإنه لا يدخل في الحكم؛ لأن أهل البلد لا يزيدونه على ما عنده من العلم.
أما الشرط الخامس: فهو كون الناس في حاجة إليها، إذا تحجرها إنسان أضر بهم، وإذا باعها صاحبها اشتركوا في شرائها، وحصل بذلك ربح وتوسعة على أهل البلد الذين يأخذونها أو يشترونها للاستهلاك كغذاء أو كسوة أو شيء مما هو من ضرورياتهم في هذه الحياة.
وكل ذلك دليل على أن الشرع نهى عن الضرر على الجانبين؛ الضرر على البائع والضرر على المشتري، فأما إذا جلبها الجالب وهو عارف بالسعر فالواجب على أهل البلد أن لا يكون الذي يشتريه واحدا، كونهم يتفقون على أنه لا يشتريه إلا فلان حتى يبيعها برخص، ويبيع خضاره أو فواكهه أو إنتاجه رخيصة إذا لم يأت إليه إلا شخص واحد، هذا ضرر، بل عليهم أن يتركوا الناس يشترون حوائجهم، فيزيد هذا ويزيد هذا إلى أن تصل إلى سعر يناسب المنتج الذي تعب في إنتاجه، وينتفع بالثمن الذي حصل له.
وهناك أيضا في بعض الدول ما يسمى بحماية الإنتاج؛ وهو منع الاستيراد من البلاد الأخرى إذا كان الإنتاج في الداخل فيه كفاية للبلد وللمواطنين، فإنه لا مانع من أن يُمنع الاستيراد؛ حتى يتصرف أهل الإنتاج، فينتجون ما يكفيهم وما يسد حاجة البلد وما يغنيهم أو يسد حاجتهم، ولا يتضررون برخص ولا بإفساد ولا بكساد.
هكذا يعمل كثير من الدول يمنعون إذا كان هناك استيراد يمنعونه حتى يتعزز أهل الإنتاج الوطني لا مانع أيضا من ذلك، ولكن إذا كان الذين ينتجون يبيعون بما يناسبهم وبما ينفع أهل البلد؛ لا يتحجرون ذلك ولا يرفعون السلع ولا يضرون أهل البلد المستهلكين، ولا يخزنونه حتى يرتفع سعره ثم يبيعونه بثمن مرتفع، فأما إذا باعوا كما يناسبهم فمن المناسب أن يمنع الإيراد ولا يمنع التصدير؛ إذا كانوا بحاجة إذا اكتفت البلد وكان في إنتاجها كفاية لها وزيادة أن يصدره إلى البلاد التي تحتاجه.
وبكل حال هذا دليل على أن الشرع جاء بمصالح المواطنين المسلمين حتى في أمورهم الدنيوية؛ يعني فيما يتعلق بحاجاتهم وببيعهم وشرائهم وما أشبه ذلك جاء بمراعاة مصالحهم، ورفع أو دفع الضرر الذي يضر أهل البلد سواء التجار أو المواطنون والمستهلكون، لا يجوز لهؤلاء أن يضروا هؤلاء فلا يجوز للمستوطنين وللمواطنين أن يستوردوا من الخارج ما تكسد به السلع التي في البلد، ولا يجوز لأهل البلد أو المنتجين أن يرفعوا السعر حتى يضروا بأهل البلد لا ضرر ولا ضرار .
هذا هو السبب في تدخل الدول فيما يسمى بالتسعير، وتحديد البيع لمن يبيع ومنع أهل الجشع من الزيادة الضارة، وكذلك منع الذين ينزلون في الأسعار ويرخصونها رخصا زائدا؛ لئلا يضروا بالآخرين، بل يكون السعر موحدا متوسطا.
والعمل على هذا حتى في الأمور الكمالية وفي الأمور التي ليست من الضروريات مثل المصنوعات؛ الصناعات التي تصنع بالداخل أو في الخارج وتستورد يجوز أيضا تحديد الأرباح فيها، وكذلك الفرش والأكسية والأواني وما أشبه ذلك، كل هذه الكماليات ومع ذلك الناس بحاجة إليها، فإذا تملكها أشخاص ورفعوا سعرها أضروا بالمستهلكين، وإذا تنافس كثير منهم وأرخصوا السعر كثيرا تضرر التجار وتضرر المستوردون فلا ضرر ولا ضرار. والله أعلم.