جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
23599 مشاهدة
بحث في انتشار الدعوة إلى الباطل والتحذير منها

ينتشر كثيرا الدعوة إلى – مثلا - الاختلاط الرجال بالنساء، وأن هذا أمر عادي، وأنه واقع في كثير من الدول أن المرأة تدرس إلى جانب الرجل، وأنها موظفة إلى جانبه وأنه لم يقع مع ذلك شيء من المنكرات وما أشبه ذلك، نقول: إن إنكار هذا من جملة ما يجب على المحتسبين، وأن هذا ولو استحسنه من استحسنه ولو دعا إليه من دعا إليه ممن انتكست فطرهم وتغيرت أفهامهم، فإنهم لا يتخذون قدوة وليسوا على حق وصواب.
وتكثر أيضا النشرات في تسهيل الأمر للمرأة أن تخرج، وأن تحتك بالرجال، وأن يكون لها مجتمعات كما يحصل للرجال مجتمعات وأن تتصرف في نفسها، ولا شك أن الذين يدعون إلى ذلك لهم أهداف سيئة، قصدهم بذلك أن يمتعوا أنظارهم وأن يقضوا أوطارهم وأن يتمكنوا من نيل شهواتهم المحرمة على ما يريدون؛ لأنهم مع حالة المسلمين التي هي التحجب والاستتار واحتفاظ المرأة بنفسها وما إلى ذلك لا شك أنهم لم ينالوا ما يريدون؛ فكان من أسباب ذلك أن شرعوا في هذه الدعوة.
نقول: إن هؤلاء على باطل ومع ذلك فهم ينشرون نشراتهم ويرسمونها مثلا في صحفهم ويعيبون علينا؛ يعيبون على النساء المسلمات تحجبهن وتحفظهن ولبسهن اللباس الساتر وما إلى ذلك، فكيف مع ذلك لا ينتبه أهل الحق وينكرون مثل هذا المنكر؟!
لا شك أن هذا مما يجب على أهل الحسبة أن يسعوا في إنكاره وتخفيفه، وهكذا أيضا تنتشر الكثير من المعاصي اختطاف النساء وفعل الفواحش بهن في مجتمعات أو في أماكن خاصة أو عامة أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا من جملة أو من أكبر المنكرات التي تمكنت وظهرت في البلاد.
وإذا غفل الناس عنها انتشرت وصعب تلافيها، فالمحتسبون عليهم أن ينتبهوا لذلك، وأن ينكروها بقدر ما يستطيعون، وبذلك يحصل الاحتساب في تغيير هذه المنكرات.
فأما مع الغفلة فإنهم لا شك سيندمون عندما يتمكن العصاة وعندما تتمكن المنكرات، وبكل حال فإن هذه من الاحتساب الذي ذكره الله تعالى والذي دعا إليه ننتبه إلى مثل ذلك.